اسم اللوحة
حقل
القمح والغربان
الرسام
فنسنت
فان كوخ
Vincent Van Gog
نبذة
عن الفنان : ولد بهولندا في بلدة زوندبت عام 1853 م ، الفنان الذي قسى
عليه الفن حتى أصبح على هاوية الجنون ، الفنان الذي أهدى الفتاة التي سخرت
منه أذنه بعد قطعها هدية لها ،. رسمت هذه اللوحة عام 1888 م
هناك جدل قائم حول ما اذا كانت لوحة «حقول القمح
والغربان» هي آخر لوحة لفان جوخ
في خطاب لأخيه ثيو
بتاريخ 10 يوليو 1890، كتب فنسنت فان جوخ واصفا لوحته «الحقول»: «انها حقول
شاسعة من القمح تعلوها سماء مضطربة، ولكني لم اتعمد افتعال تصوير مشاعر
الحزن والوحدة. سوف احضر لوحاتي الاخيرة معي الى باريس وتستطيع ان ترى
بنفسك ما لا استطيع قوله لك بالكلمات». اللوحة التي يعتبر الكثيرون انها
اللوحة الاخيرة لفان جوخ والتي أنهى العمل فيها قبل انتحاره بتسعة عشر
يوما، ستعرض للبيع لأول مرة في صالة سوذبي بنيويورك في شهر نوفمبر ويتوقع
ان تباع بمبلغ قياسي. اللوحة عرضت للجمهور لأول مرة في عام 2001 في مدينة
أمستردام واثارت وقتها موجة ضخمة من عروض الشراء وهو شيء متوقع كما تؤكد
المتحدثة باسم صالة سوذبي لصحيفة الاندبندنت. وتضيف «عمل نادر كهذا يعكس
الايام الاخيرة في حياة الفنان من المتوقع ان يثير كل تلك الرغبة الجامحة
في اقتنائه، فهي الفرصة الاخيرة لأي جامع للوحات لشراء لوحة من لوحات فان
جوخ». ويبدو ان اللوحة حملت الكثير من الاهمية لثيو حتى انه احتفظ بها لمدة
عشرين عاما ولم تعرض للبيع الا في عام 1907 ومنذ ذلك الوقت ظلت اللوحة ضمن
المجموعات الخاصة بعيدة عن صالات المتاحف، وهو ليس بالمستغرب فالكثير من
لوحات فان جوخ ظلت بعد وفاته ضمن المجموعات الخاصة ولم تعرض للجمهور حسبما
يؤكد ديفيد نورمان نائب مدير صالة سوذبي لصحيفة الاندبندنت.
ورغم ان
الكثير من الخبراء الفنيين يؤكدون ان لوحة «الحقول» هي آخر لوحات فان جوخ،
الا ان هناك جدلا قائما حول ما اذا كانت لوحة «حقول القمح والغربان» هي آخر
لوحة وخاصة للقتامة التي تسود اللوحة وهي في نظر الكثيرين تعبر عن الحالة
النفسية للفنان في أيامه الاخيرة واعتبروها بمثابة «خطاب انتحار» و ان كان
لا دليل هناك على كونها الاخيرة.
وذكر فان جوخ لوحة «حقول القمح
والغربان» ضمن حديثه عن لوحاته الاخيرة في خطابه لاخيه ثيو «لقد عدت للرسم
مرة أخرى وان كنت امسك الفرشاة بصعوبة ولكني أعرف ما الذي أريد أن ارسمه
... أعمل الآن على ثلاث لوحات عن حقول القمح القابعة تحت السماء الملبدة
بالغيوم ... أعتقد انها تعبر عما لا استطيع التعبير عنه بالكلمات».
وبغض
النظر عما اذا كانت لوحة «حقول القمح والغربان» هي آخر لوحة لفان جوخ
فانها تظل لوحة موحية غنية بالمعاني والاشارات الى أيام الفنان الاخيرة حيث
يرى الكثير من النقاد ان أسراب الغربان قد تعني المستقبل القاتم.
وتنتمي
لوحة «الحقول» الى سلسلة من اللوحات التي انجزها فان جوخ في عام 1890
وكانت فيها حقول القمح الذهبية لمنطقة اوفر سور اويز هي البطل.
والمدهش
في لوحة «الحقول» هو اختلاط الامل واليأس و الاحساس بالوحدة بين الالوان
المشعة بالأمل المتمثلة في القمح الاصفر وبين اليأس والقتامة في السماء
الزرقاء الداكنة المضطربة وهو ما قد يعكس قدرة فان جوخ على الفصل بين اليأس
والحزن داخله عن الامل المتراقص مع اعواد القمح الصفراء وهو ما يؤكده
نورمان بقوله: «نعرف ان هذا الرجل غارق في اليأس وعلى شفى الانتحار ومع ذلك
فهو يظهر في لوحاته ما يراه في العالم الخارجي حوله».
وللست سنوات
الاخيرة ظلت لوحة «الحقول» تجذب الزوار اليها في متحف أمستردام الى جانب
مجموعة اخرى من اللوحات التي تدور حول المناظر الطبيعية للفنان الشهير
رسمها في سنواته الاخيرة. وعرضت اللوحة في لندن مرة واحدة في عام 1995
وتعرض للمرة الثانية في السابع من أكتوبر القادم داخل صالة سوذبي استعدادا
للمزاد الذي يقام في نيويورك لاحقا.
وتتوقع صالة سوذبي ان تصل
المزايدات الى 35 مليون دولار أميركي على اللوحة التي رسمها فان جوخ في
منطقة اوفر سور اوز في صيف عام 1890. واللوحة التي ظل اسم مالكها مجهولا
حتى الان، معارة الى متحف امستردام منذ عام 2001. وفان جوخ المعروف بلوحات
المناظر الطبيعية وزهور عباد الشمس كانت بداياته الفنية تدور حول مناظر
طبيعية ومناظر الفلاحين وهم يعملون. وكان يميل إلى الألوان البنية الداكنة
والزيتونية ووضوح لمسات الفرشاة. وكانت لوحة آكلو البطاطس في عام 1885 من
أرقى أعماله في تلك الفترة. وفي عام 1886 سافر إلى باريس لزيارة شقيقه ثيو
وانجذب بسرعة لما شاهده من فنون التصوير التشكيلي الانطباعي هناك. وتأثر
فان جوخ بالفنون الانطباعية السائدة في ذلك الوقت وقام بتخفيف فرشاته وبدأ
يستخدم الألوان البراقة الواضحة.
وفي عام 1888 انتقل فان جوخ إلى
أرليز في جنوب فرنسا. وهناك رسم أكثر لوحاته تعبيراً وواقعية. ومن أعماله
في تلك الفترة لوحة راولين ساعي البريد. وفي أرليز كانت تصيبه نوبات عصبية
عنيفة من وقت لآخر، وشخصت بعد وفاته بأنها داء الصرع. وكانت الألوان
الكثيفة ولمسات الفرشاة المضطربة في لوحاته في ذلك الوقت تعكس اضطراباً
ذهنياً، ومن أمثلة ذلك لوحته «الملهى الليلي». وأثناء واحدة من تلك النوبات
العصبية في أواخر عام 1888 هدد باغتيال الرسام الفرنسي بول جوجان الذي كان
يزوره يومها وقام بقطع إحدى أذنيه أثناء تلك النوبة وفي العام التالي
انتحر.
وتعرض لوحة فان جوخ في وقت ازداد فيه الاقبال على شراء
اللوحات للمجموعات الخاصة وهو ما ينذر بخسارة فادحة للمتاحف العالمية.
وبزيادة الاقبال ازدادت الاسعار حتى وصلت الى مبالغ يصعب تصديقها فمثلا
بيعت لوحة للرسام النمساوي غوستاف كليمت في يونيو من العام الماضي مقابل 73
مليون جنيه استرليني، محققة بذلك رقما قياسا في تاريخ المزادات على
الأعمال الفنية. وذكرت تقارير اعلامية ان الـ 135 مليون دولار التي دفعها
صاحب امبراطورية مستحضرات التجميل «رونالد اس. لاودر» للوحة هو اكبر مبلغ
يتم دفعه مقابل لوحة زيتية وهو رقم يفوق مبلغ 104.1 مليون دولار (57 مليون
جنيه) ثمن لوحة «صبي ذو غليون» التي رسمها الاسباني بابلو بيكاسو عام 1905
وبيعت في مزاد بدار سوذبي للمزادات عام 2004.
وفي الوقت الذي بيعت
فيه لوحة لفان جوخ في عام 1995 بمبلغ 27 مليون دولار يتوقع ان يبلغ سعر
لوحة الحقول اكثر من 35 مليون دولار وهو ما يؤكد اختلاف السوق الفني في
السنوات الاخيرة. ويقول نورمان للاندبندنت ان السوق الذي شهد بيع لوحة فان
جوخ بـ27 مليون دولار «مختلف عن السوق اليوم» ومن يعلم؟ فربما تباع اللوحة
بمبلغ غير مسبوق ولن يكون في ذلك مفاجأة كبيرة فنحن نتحدث عن فان جوخ!
Vincent Van Gogh
فنسنت فــــــان
جـــوخ
حسنا
.. ففي نهاية الأمر لن يتحدث عنا سوى لوحاتنا :
جاءت
هذه الكلمات في الرسالة الأخيرة التي كتبها فنسنت فان جوخ إلى أخيه ثيو ،
والتي وجدت في جيبه في اليوم الذي مات فيه ، بعد يومين من إطلاقه النار على
نفسه منتحرا وسط الحقول التي كان يرسمها في كل فصل من فصول السنة في
التاسع والعشرون من يوليو / تموز من عام 1890م . ومنذ ذلك الحين تحدثت
لوحاته عنه لجميع الناس . وبلغة أخوية تشع نورا .
وكما قال الفنان
لوناردو دافنشي || ان من يستنكر الرسم يستنكر الطبيعة || ولأننا جزء من هذه
الطبيعة ونؤمن بجمالها أختار منزل سالازار سليذرين - هذه المرة - بأن
ينقلكم إلى عالم هذا الرســام الشهير لنتعرف على سيرة حياته وكيف استطاع ان
يحول معاناته النفسية والجسدية إلى لوحات تباع بالملايين ، ليكون إهداء من
بيت عظيم، إلى رســـام عظيم .
Vincent Van Gogh
فنسنت فــــــان
جـــوخ
الإســــــــــــم
/ فنسنت ويليم فان جوخ .
تاريخ الميلاد / 30 مارس 1853م
مكان
الميلاد / زندرت، هولندا
تاريخ الوفاة / الوفاة 29 يوليو 1890م
مكان
الوفاة / أوفر سور أوايز، فرنسا
والـــــــــــــده / ثيودوروس فان
جوخ (1822م - 1885م).
والـــــــــــدته / آنا كورنيليا كاربنتوس (1819م
- 1907م).
سبب الوفــاة / انتحار ببندقية صيد .
المــــــــــهنة /
رساماً هولندياً، مصنف كأحد فناني الانطباعية والفن التشكيلي .
عــدد
لوحاته / اكثر من 800 لوحة .
الحالة الإجتماعية / أعزب .
إســــم
اخــوه / ثيو ويليم فان جوخ .
أســــــم اخته / فلهلمينا ويليم فان جوخ .
ولد
فنسنت فان جوخ في جروت زندرت بهولندا في 30 مارس / آذار 1853. جاءت ولادة
فان جوخ بعد سنة واحدة من اليوم الذي ولدت فيه أمه طفلاً ميتاً بالولادة،
سمي أيضاً بفنسنت. لقد كان هناك توقع كبير بحدوث صدمة نفسية لفنسنت فان جوخ
كنتيجة لكونه "بديل طفل" لاحقاً. وإن له أخا ميتاً بنفس الاسم وتاريخ
الولادة. لكن بقيت هذه النظرية غير مؤكدة، وليس هناك دليلاً تاريخياً
فعلياً لدعمها.
فنسنت فان جوخ في الثالثة عشرة من عمره كان
فان جوخ ابن ثيودوروس فان جوخ (1822 - 1885)، قس كنيسة هولندية، وأمه آنا
كورنيليا كاربنتوس (1819 - 1907). عملياً لا توجد معلومات حول سنوات فنسنت
فان جوخ العشر الأوائل. حضر فان جوخ مدرسة داخلية في زيفينبيرجين لسنتين
وبعد ذلك استمر بحضور مدرسة الملك ويليم الثاني الثانوية في تيلبيرغ لسنتين
أخريين. في ذلك الوقت أي في عام 1868، ترك فان جوخ دراسته في سن الخامسة
عشرة ولم يعد إليها.
والده ثيودورس فان جوخ في
عام 1869 انضم فنسنت فان جوخ إلى مؤسسة غووبيل وسي (Goupil & Cie)، وهي
شركة لتجار الفن في لاهاي. كانت عائلة فان جوخ لفترة طويلة مرتبطة بعالم
الفن، فقد كان أعمام فنسنت، كورنيليس ("العم كور") وفنسنت ("العم سنت")،
تاجرين فنيين. أمضى أخوه الأصغر ثيو فان جوخ حياته كتاجر فني، ونتيجة لذلك
كان له تأثير كبير على مهنة فينسنت اللاحقة كفنان.
كان فنسنت ناجحاً
نسبياً كتاجر فني، وبقى مع غووبيل وسي لسبع سنوات إضافية. في عام 1873 نقل
إلى فرع الشركة في لندن وأعجب سريعاً بالمناخ الثقافي الإنجليزي. في أواخر
شهر أغسطس / آب، انتقل فنسنت إلى طريق هاكفورد 87، وعاش مع أورسولا لوير
وابنتها يوجيني. قيل بأن فنسنت كان مهتماً بيوجيني عاطفياً، ولكن العديد من
كتاب السير الأوائل نسبوا اسم يوجيني بشكل خاطئ لأمها أورسولا. بقى فنسينت
فان غوخ في لندن لسنتين أخريين. خلال تلك الفترة زار العديد من المعارض
الفنية والمتاحف، وأصبح معجباً كثيراً بالكتاب البريطانيين أمثال جورج
إليوت وتشارلز ديكينز. كان فان غوخ أيضاً معجباً كثيراً بالنقاشين
البريطانيين. أعمالهم ألهمت وأثرت في حياة فان جوخ الفنية اللاحقة.
أصبحت
العلاقة بين فنسنت وغووبيل أكثر توتراً على مر السنوات، وفي مايو / مايس
في عام 1875 نقل إلى فرع الشركة في باريس. ترك فنسنت غووبيل في أواخر شهر
مارس / آذار من عام 1876، وقرر العودة إلى إنجلترا حيث كانت السنتان اللتان
قضاهما هناك سعيدتين. في أبريل / نيسان بدأ فينسينت فان جوخ في مجال
التعليم في مدرسة القس وليام ب. ستوكس في رامسجيت. كان مسؤولاً عن 24 ولداً
تتفاوت أعمارهم ما بين 10 إلى 14 سنة. واصل فان غوخ في وقت فراغه زيارة
المعارض وتقديم الاحترام للعديد من القطع الفنية العظيمة هناك. كرس نفسه
أيضاً لدراسة التوراة، فأمضى العديد من الساعات يقرأ ويعيد قراءة الإنجيل.
كان صيف 1876 وقتاً دينياً بالنسبة لفينسنت فان غوخ. بالرغم من أنه تربى
عند عائلة دينية، لم يبدأ بتكريس حياته إلى الكنيسة بجدية إلا عند هذا
الوقت.
والدته السيدة آنا كورنيليا كاربنتوس من
أجل التحول من معلم إلى رجل دين، طلب فينسنت من القس جونز بأن يعطيه المزيد
من المسؤوليات المعينة لرجال الدين. وافق جونز، وبدأ فنسنت بالحديث عند
اجتماعات الصلاة في أبرشية تيرنهام غرين. هذا الحديث عمل كوسيلة لتهيئة
فينسنت للمهمة التي انتظرها لمدة طويلة وهي خطبته الأولى في يوم الأحد.
بالرغم من أن فينسنت كان متحمساً ليحصل على فرصه بأن يكون وزيراً، إلا أن
خطبه كانت باهتة وغير حيوية بشكل كبير. اختار فينسينت فان غوخ البقاء في
هولندا بعد زيارة عائلته في عيد الميلاد. بعد العمل لمدة قصيرة في مكتبة في
دوردريخت في أوائل العام 1877، توجه فينسنت إلى أمستردام في 9 مايو / مايس
لتهيئة نفسه لفحص دخول الجامعة لدراسة علم اللآهوت. تلقى فينسنت دروس
اللغة اليونانية واللاتينية والرياضيات هناك، ولكن بسبب قلة براعته أرغم في
النهاية على ترك الدراسة بعد 15 شهراً. وصف فنسنت هذه الفترة لاحقاً بأنها
أسوأ فترات حياته. في نوفمبر / تشرين الثاني أخفق فينسنت في التأهل
للمدرسة التبشيرية في لايكين، ولكن أوصت الكنيسة في النهاية على أن يذهب
إلى منطقة التنقيب عن الفحم في بوريناج ببلجيكا.
شقيقه ثيو فان جوخ في
يناير / كانون الثاني من عام 1879، بدأ فينسنت بوصاية عمال مناجم الفحم
وعوائلهم في قرية التعدين واسميس (Wasmes). شعر فينسنت بارتباط عاطفي قوي
نحو عمال المناجم. تعاطف مع أوضاع عملهم المخيفة وفعل ما بمقدوره، كزعيم
روحي، وذلك لتخفيف عبء حياتهم. هذه الرغبة الإيثارية أوصلته إلى مستويات
كبيرة جداً عندما بدأ فينسنت بإعطاء أغلب مأكله وملبسه إلى الناس الفقراء
الواقعين تحت عنايته. على الرغم من نوايا فينسنت النبيلة، رفض ممثلو
الكنيسة زهد فان جوخ بقوة وطردوه من منصبه في يوليو / تموز. رافضاً تركه
للمنطقة، انتقل فان غوخ إلى قرية مجاورة تدعى كيوسميس (Cuesmes)، وبقى هناك
بفقر كبير. في السنة التالية كافح فنسنت من أجل العيش، ورغم أنه لم يكن
قادراً على مساعدة سكان القرية بأي صفة رسمية كرجل ديني، اختار بأن يبقى
أحد أعضاء جاليتهم على الرغم من ذلك. في أحد الأيام شعر فنسنت بالاضطرار
إلى زيارة بيت جولز بريتون، وهو رسام فرنسي كان يحترمه كثيراً، وتطلب ذلك
مشي سبعين كيلومتراً إلى كوريير (Courrières) بفرنسا، مع أنه لم يكن في
جيبه سوى 10 فرنكات. لكن كان فنسنت خجولاً جداً لأن يدق الباب عند وصوله،
فعاد إلى كيوسميس فاقداً الثقة بشكل كبير. في ذلك الوقت اختار فنسنت فان
جوخ مهنته اللاحقة بأن يكون فناناً.
في خريف العام 1880، وبعد أكثر
من عام من العيش بفقر في بوريناج، توجه فنسنت إلى بروكسل لبدء دراساته
الفنية. تشجع فنسنت على بدء هذه الدراسات نتيجة للعون المالي من أخيه ثيو.
كان فنسنت وثيو قريبين من بعضهما البعص على الدوام في طفولتهما وفي أغلب
حياتهما التالية، حيث بقيا يراسلان بعضهما البعض باستمرار. عدد هذه الرسائل
أكثر من 700، وهي تشكل أغلب معرفتنا بتصورات فان غوخ حول حياته الخاصة
وحول أعماله.
قدم فنسنت طلباً للدراسة في مدرسة الفنون الجميلة (Ecole
des Beaux-Art) في بروكسل لمدة قصيرة. بعد ذلك واصل فينسنت دروس الرسم
لوحده بأخذ الأمثلة من بعض الكتب مثل "Travaux des champs" لجوان فرانسوا
ميلي و "Cours de dessin" لتشارلز بارغ. في فصل الصيف عاش فينسنت مع أبويه
مرة أخرى في إتين، وخلال تلك الفترة قابل ابنة عمه كورنيليا أدريانا فوس
ستريكير (تسمى "كي"). أصبحت كي (1846 - 1918) أرملة مؤخراً وكانت تربي
ابنها الصغير لوحدها. وقع فينسنت في حب كي وتحطمت مشاعره حينما رفضته،
فأصبحت تلك الحادثة إحدى أبرز الحوادث في حياة فان غوخ. بعد ذلك قرر فينسنت
مواجهتها في بيت أبويها. رفض أبو كي السماح لفينسنت برؤية ابنته فقرر
فينسنت وضع يده على قمع مصباح زيتي ليحرق نفسه متعمداً. كان هدف فينسنت أن
يضع يده على اللهب حتى يسمح له برؤية كي، ولكن أبوها قام بسرعة بإطفاء
المصباح، فغادر فينسنت البيت مذلاً.
إبنة عمه كي لوحة
الحزن (1882) على الرغم من النكسات العاطفية مع كي والتوترات الشخصية مع
أبيها، وجد فينسنت بعض التشجيع من أنتون موف (1838 - 1888)، ابن عمه
بالزواج. صنع موف من نفسه فناناً ناجحاً، ومن بيته في لاهاي زود فينسنت
بمجموعته الأولى من الألوان المائية، وهكذا بدأ فينسنت بالعمل بواسطة
الألوان. كان فينسنت معجباً كثيراً بأعمال موف وكان ممتناً له. وكانت
علاقتهما جيدة، لكنها توترت عندما بدأ فينسنت بالعيش مع مومس.
قابل
فينسينت فان غوخ كلاسينا ماريا هورنيك (1850 - 1904) في أواخر فبراير /
شباط 1882 في لاهاي. كانت هذه الامرأة (الملقبة بـ "سين") حاملاً بطفلها
الثاني عندما قابلها فان غوخ، لكنها انتقلت للعيش معه بعد فترة قصيرة لسنة
ونصف السنة. نمت مواهب الفنان بشكل كبير بمساعدة سين وأطفالها في تلك
الفترة. رسومه المبكرة لعمال مناجم الفحم في بوريناج أفسحت له المجال
لأعمال أفضل، محملة بالكثير من العواطف. في لوحة "سين جالسة على السلة مع
فتاة"، صور فينسنت الحياة العائلية الهادئة بمهارة، مع بعض الإحساس باليأس،
وهي المشاعر التي عرف بها في الأشهر التسع عشرة التي عاش فيها مع سين.
منزله في كيوسميس 1880م حيث شهد قراره
على ان يمتهن مهنة الفن كانت
السنة 1883 مرحلة انتقالية أخرى بالنسبة لفان جوخ في حياته الشخصية وفي
دوره كفنان. بدأ فينسنت الرسم الزيتي في عام 1882. مع تقدم مهاراته
الرسومية، تدهورت علاقته مع سين فافترقا في سبتمبر / أيلول. ترك فينسنت
لاهاي في منتصف شهر سبتمبر / أيلول للسفر إلى درينتي في هولندا. عاش فنسنت
في الأسابيع الست التالية حياة البداوة، حينما انتقل في كافة أنحاء المنطقة
ورسم المناظر الطبيعية البعيدة مع سكانها. عاد فينسنت مرة أخرى إلى بيت
أبويه في نوينين في أواخر العام 1883. واصل فنسينت فان غوخ حرفته طوال
السنة التالية، وأنتج عشرات الرسوم أثناء تلك الفترة، مثل لوحات "الحائك"
و"الغزالون" وغيرهما. أصبح الفلاحون المحليون مواضيع اهتمامه لأنه شعر بصلة
قوية نحوهم، وجزئياً كان سبب ذلك إعجابه بالرسام ميليه الذي أنتج بنفسه
لوحات تعطف على العمال في الحقول. كانت مارجوت بيجيمان (1841 - 1907)، التي
عاشت عائلتها إلى جوار أبوي فنسنت، تعشقه، وقادتها علاقتها العاطفية إلى
محاولة الانتحار بالسم. كان فنسنت مذهولاً جداً لتلك الحادثة. تعافت مارجوت
في النهاية، لكن الحادثة أزعجت فينسنت كما أشار إليها في رسائله في العديد
من المناسبات .
لوحة آكلو البطاطا بعد
العمل الشاق وتطوير الأساليب باستمرار في السنوات الماضية استطاع إنتاج
لوحته العظيمة الأولى وهي "أكلو البطاطا". عمل فينسنت على لوحة أكلو
البطاطا طوال شهر أبريل/نيسان من العام 1885. أنتج مسودات مختلفة لتحضير
النسخة الزيتية الكبيرة الأخيرة على الجنفاص. تعرف لوحة أكلو البطاطا بأنها
أول قطعة حقيقية نادرة لفينسنت فان غوخ، فتشجع إثر ردود الفعل بشأنها.
ولكن صديقه وزميله الفنان أنتون فان رابارد (1858 - 1892) لم يعجب بعمله،
وأدت تعليقاته حول لوحته إلى نهاية صداقتهما. بالرغم من أن فنسنت يغضب
وينزعج من نقد أعماله، إلا أنه كان مسروراً من النتيجة عموماً، وهكذا بدأ
مرحلة أفضل من حياته. واصل فان غوخ العمل طوال العام 1885، لكنه أصبح قلقاً
مرة أخرى وبحاجة للتشجيع من جديد. انضم لفترة وجيزة إلى الأكاديمية في
أنتويرب في بداية العام 1886، لكنه تركها بعد حوالي أربع أسابيع لاستيائه
بصارمة المدرسين. كما تظاهر كثيراً في طوال حياته، شعر فينسنت بأن الدراسة
الرسمية هي بديل سيئ للعمل. عمل فينسنت لخمس سنوات صعبة بشحذ مواهبه كفنان،
ومع إنشاء لوحة أكلة بطاطة أثبت لنفسه أنه رسام من الطراز الأول. لكنه
أراد باستمرار أن يحسن أوضاع نفسه، وذلك لاكتساب الأفكار وليستكشف التقنيات
الجديدة حتى يصبح الفنان الذي يتطلع حقاً لأن يكون. أنجز في هولندا بقدر
ما استطاع، فتركها وذهب إلى باريس.
أخذ فينسينت فان غوخ يتراسل مع
أخيه ثيو طوال بداية العام 1886 في محاولة لإقناعه بالانتقال إلى باريس.
كان ثيو مدركاً لشخصية أخيه القاسية. وصل فينسنت إلى باريس في أوائل شهر
مارس/آذار. كانت فترة فان غوخ في باريس مميزة بالنسبة لحياة الفنان.
السنتان اللتان قضاهما فينسنت في باريس هما أيضاً أحد الفترات غير الموثقة
من حياته بشكل كبير، لأن كتاب السير كانوا يعتمدون على الرسائل بين فينسنت
وثيو لمعرفة الحقائق، وقد توقفت الرسائل عندما عاشا الأخوان سوية في شقة
ثيو، في منطقة مونتمارتريه بباريس.
احدى مسوداته كان
لثيو كتاجر فني العديد من الاتصالات، فأصبح فينسنت مألوفاً لدى الفنانين
الرائدين في باريس في ذلك الوقت. كان فان غوخ في خلال السنتين اللتين تواجد
فيهما في باريس يقوم بزيارة بعض المعارض المبكرة للانطباعيين، حيث عرضت
أعمال بواسطة ديغاس، ومونيه، ورينوار، وبيسارو، وسيورا، وسيسلي. تأثر فان
غوخ بدون شك بطرق الانطباعيين، لكنه بقى مخلصاً لأسلوبه الفريد على الدوام.
كان فان غوخ في طوال تلك السنتين يستخدم بعضاً من تقنيات الانطباعيين،
لكنه لم يدع تأثيرهم القوي بأن يكتسحه.
اواني طعام خزفية تمتع
فينسنت بالرسم في ضواحي باريس طوال العام 1886. بدأت لوحاته بالابتعاد عن
الألوان الداكنة وبدأت تأخذ ألوان الانطباعيين الأكثر حيوية. وما أضاف من
تعقيد أسلوب فان غوخ أنه حينما كان في باريس أصبح مهتماً بالفن الياباني.
فتحت اليابان موانئها مؤخراً للدول الغربية بعد قرون من الحصار الثقافي،
وكنتيجة لتلك الانعزالية الطويلة سحر العالم الغربي بالثقافة اليابانية.
بدأ فان غوخ باكتساب مجموعة كبيرة من الطبعات الخشبية اليابانية الموجودة
الآن في متحف فان غوخ في أمستردام، وعكست لوحاته في أثناء ذلك الوقت
الاستعمال الحيوي للألوان المفضلة عند الانطباعيين والألوان اليابانية
المنعكسة. بالرغم من أن فان غوخ أنتج ثلاث لوحات يابانية فقط، إلا أن
التأثير الياباني على فنه كان موجوداً بشكل دقيق في طوال بقية حياته.
إحدى لوحاته اليابانية كان
العام 1887 في باريس مرحلة تطور أخرى لفينسنت كفنان، لكنها أيضاً سببت له
خسائر فادحة، عاطفية وجسدية. عندما أصر فينسنت على الانتقال والعيش مع ثيو،
قام بذلك على أمل أن يحسن الاثنان من إدارة نفقاتهما وليتمكن فينسنت
بسهولة أكثر من أن يكرس نفسه إلى الفن. ولكن عيشه مع أخيه أدى كذلك
إلىالكثير من التوتر بينهما. كما كان الحال في طوال حياته، جعل الطقس السيئ
في أثناء فصل الشتاء فينسنت عصبياً ومكتئباً. لم يكن فينسنت أكثر سعادة من
حينما انسجم مع الطبيعة وعندما كان الطقس أفضل. في أثناء الشهور الشتائية
الكئيبة في باريس - في عامي 1887 و 1888 - أصبح فان غوخ أكثر قلقاً لأن
الصور والألوان الكئيبة نفسها ظهرت مرة ثانية. سنتا فان غوخ في باريس كانتا
أكثر تأثيراً على تطوره المستمر كفنان. لكنه حصل على ما كان يريد، فحان
وقت الانتقال. لم يكن فينسنت سعيداً أبداً في المدن الكبيرة، فقرر ترك
باريس نحو جنوب.
انتقل فينسينت فان غوخ إلى آرل في بداية العام 1888
لعدة أسباب منها كرهه لباريس وللشهور الطويلة من الشتاء فيها. السبب الآخر
كان حلم فينسنت بتأسيس نوع من المطارحات للفنانين في آرل، حيث يلجأ إليه
رفاقه في باريس، ويعملون سوية، ويدعمون بعضهم البعض نحو هدف مشترك. استقل
فان غوخ القطار من باريس إلى آرل في 20 فبراير/شباط 1888 وهو متطلع لمستقبل
ناجح. لا شك في أن فان غوخ كان خائب الأمل في آرل في أسابيعه الأولى هناك.
وجد فينسنت آرل باردة بشكل غير اعتيادي. لا بد وأن يثبط ذلك من عزيمة
فينسنت الذي ترك كل شخص يعرفه وراءه ليبحث عن الدفء في الجنوب. كان الطقس
القاسي قصيراً فبدأ فينسنت برسم بعض من أفضل أعماله.
لوحة " منظر طبيعي لطريق وأشجار مشذبة " عندما
ارتفعت درجة الحرارة، لم يهدر فينسنت فرصة البدأ بالعمل في الطبيعة، وقام
بعدة أعمال من بينها رسمة "منظر طبيعي لطريق وأشجار مشذبة"، ولوحة "الطريق
عبر حقل الصفصاف". أنتجت الرسمة في مارس/آذار حيث تبدو الأشجار والمنظر
الطبيعي كئيبة جداً بعد فصل الشتاء. أما اللوحة فقد رسمت بعد شهر وهي تعرض
البراعم الربيعية على نفس الأشجار. في تلك الأثناء رسم فان غوخ سلسلة من
لوحات البساتين المنفتحة. كان فينسنت مسروراً بما أنتج، وشعر بالتجدد. كانت
الشهور التالية أكثر سعادة بالنسبة إليه. حجز فينسنت غرفة في مقهى دي
لاغار في أوائل مايو/مارس، واستأجر بيتاً أصفراً كمكان يرسم فيه ويضع
لوحاته. في الحقيقة لم ينتقل فينسنت إلى البيت الأصفر حتى سبتمبر/أيلول،
حينما أسسه كقاعدة لما سماه بإستوديو الجنوب.
لوحة اشجار الكرز عمل
فينسنت بجد في طوال فصلي الربيع والصيف، وبدأ بإرسال بعض أعماله لثيو.
تمتع برفقة الناس وفعل ما بمقدوره أثناء تلك الشهور للحصول على الأصدقاء.
بالرغم من أنه كان وحيداً جداً في بعض الأحيان، صادق فينسنت بول يوجين ميلي
وجندياً آخراً، كما رسم صورهما. لم يفقد فينسنت الأمل أبداً في إمكانية
تأسيس مطارحة للفنانين، وبدأ بتشجيع بول جوجان للانضمام إليه في الجنوب،
لكن الفرصة لم تكن محتملة، لأن انتقال غوغان يتطلب الكثير من العون المالي
من ثيو، الذي لم يعد يتحمل المزيد. في أواخر يوليو/تموز توفي فينسنت (عم
فان جوخ) وترك إرثاً لثيو. مكن ذلك المال ثيو من تبني انتقال جوجان إلى
آرل. شعر ثيو بأن فينسنت سيكون أكثر سعادة واستقراراً برفقة جوجان، كما أمل
ثيو في أن تكون لوحات جوجان مربحة بالنسبة إليه. بخلاف فينسنت حقق بول
جوجان درجة أصغر من النجاح. وصل جوجان إلى آرل بالقطار في وقت مبكر من يوم
23 أكتوبر/تشرين الأول.
بول جوجان ولحظة تأمل الشهران
التاليان كانا محوريين وكارثيين لفينسينت فان غوخ ولبول جوجان. في البداية
كان فان جوخ وجوجان جيدين سوية، حيث قاما بالرسم في آرل، كما ناقشا الفن
والتقنيات المختلفة. ولكن مع مرور الأسابيع، تدهور الطقس ووجد الاثنان
أنفسهما مرغمين على البقاء في الداخل كثيراً. مثلما هو الحال على الدوام،
تقلب مزاج فينسنت لمجاراة الطقس. بسبب انجبار فينسنت على العمل في الداخل،
أدى ذلك إلى التخفيف من كآبته. بعث فينسنت إلى ثيو رسالة قائلاً فيها أنه
قام برسم لوحات لعائلة كاملة وهي عائلة رولن. تلك اللوحات بقت من بين أفضل
أعماله.
تدهورت العلاقة بين فان غوخ وجوجان في ديسمبر/كانون الأول،
فأصبحت مجادلاتهما الساخنة كثيرة الحدوث. في 23 ديسمبر/كانون الأول أصيب
فينسنت فان غوخ بنوبة عقلية جنونية، فقطع الجزء الأوطأ من أذنه اليسرى
بواسطة شفرة حلاقة، ثم انهار. اكتشفته الشرطة ثم أدخل إلى مستشفى هوتيل ديو
في آرل. بعد أن أرسل جوجان برقية إلى ثيو، اتجه فوراً إلى باريس دون أن
يزور فان جوخ في المستشفى. تراسل فان جوخ وجوجان لاحقاً لكنهما لم يجتمعا
شخصياً مرة أخرى. كان فينسنت وهو في المستشفى تحت عناية الدكتور فيليكس راي
(1867 - 1932). عانى بعد أسبوع من الكثير من فقدان الدم. كان ثيو الذي
أسرع بالمجيء من باريس على يقين من أن فنسنت سيموت، لكنه تعافى كلياً مع
نهاية ديسمبر/كانون الأول وبداية الشهر التالي.
في
الأشهر الأولى من العام 1885، واصل فان غوخ إنتاج سلسلة اللوحات حول
الفلاحين. نظر فينسنت إلى تلك اللوحات كدراسة تستمر في تطوير حرفته لتحضير
أعماله الأكثر نجاحاً حتى الآن. عمل فينسنت طوال شهري مارس وأبريل على هذه
الدراسات، وقد صرف انتباهه عنها لفترة وجيزة حينما رحل أبوه في 26
مارس/آذار. كانت علاقة فينسنت مع أبيه متوترة جداً في خلال السنوات القليلة
الأخيرة، إلا أنه بالتأكيد لم يكن سعيداً بشأن موته، لكنه منفصل عاطفياً
عنه، مما سمح له بمواصلة العمل بشكل اعتيادي.
رسم فنسنت فان جوخ نفسه وتظهر اذنه
المقطوعة مربوطة
[b]الأسابيع
الأولى من العام 1889 لم تكن سهلة بالنسبة لفينسينت فان غوخ. عاد فينسنت
بعد تعافيه إلى بيته الأصفر، لكنه واصل زياراته إلى لدكتور راي لإجراء
الفحوصات ولتغيير ضمادات رأسه. كان فينسنت متحمساً بعد التوقف، لكن مشاكله
المالية استمرت، كما شعر باكتئاب جزئي عندما قرر صديقه المقرب جوسف رولن
(1841 - 1903) لقبول موقع أفضل للعيش فانتقل مع عائلته إلى مارسيليا. كان
رولن صديقاً عزيزاً ومخلصاً لفينسنت في معظم وقته في آرل. أصبح فينسنت كثير
الإنتاج طوال يناير/كانون الثاني وبداية الشهر التالي، فرسم بعضاً من
أعماله المعروفة مثل لوحتي "لابيرسوز" و "عباد الشمس". في 7 فبراير/شباط
عانى فينسنت من نوبة أخرى تخيل فيها نفسه بأن مسمم. نقل فينسنت مرة أخرى
إلى مستشفى هوتيل ديو للمعالجة، ومكث هناك 10 أيام، لكنه عاد مرة أخرى إلى
البيت الأصفر بعد ذلك.
مدام جينو
أصبح بعض مواطني
آرل قلقين في ذلك الوقت بسبب سلوك فينسنت، فوقعوا عريضة بخصوص مخاوفهم. ومن
ضمن من وقع العريضة " مدام جينو " صاحبت المطعم والتي رسمها فان جوخ في
إحدى لوحاته الشيهرة . وأرسلت العريضة لرئيس بلدية آرل ثم لمدير الشرطة
الذي أمر فان غوخ بدخول المستشفى مرة أخرى. بقى فينسنت في المستشفىللأسابيع
الست التالية، ولكن سمح له بالمغادرة تحت الإشراف في بعض الأحيان لكي يقوم
بالرسم ولوضع أملاكه في المخزن. كان ذلك وقتاً منتجاً لكن فان غوخ كان
مثبط العزيمة عاطفياً. كما كان الحال قبل سنة، عاد فان غوخ لرسم البساتين
المنفتحة حول آرل. ولكن بينما كان ينتج بعضاً من أفضل أعماله، أدرك فينسنت
بأن موقفه غير ثابت، وبعد المناقشات مع ثيو وافق على اللجوء إلى مستشفى سان
بول دي موسول النفسي في سان ريمي دي بروفانس طوعاً. ترك فان غوخ آرل في 8
مايو/مارس.
عند وصوله إلى المستشفى، وضع فان غوخ تحت عناية الدكتور
ثيوفيل زشريي أوغسطي بيرون (1827 - 1895). بعد فحص فينسنت ومراجعة حالته،
اقتنع الدكتور بيرون بأن مريضه كان يعاني من الصرع. بعد أسابيع، بقيت حالة
فينسنت العقلية مستقرة وسمح له بالاستمرار في الرسم. وفي منتصف الشهر
يونيو/حزيران أنتج فان غوخ عمله الأفضل وهو لوحة "الليلة المضيئة بالنجوم".
حالة
فان غوخ العقلية الهادئة نسبياً لم تدم طويلاً، فأصيب بنوبة أخرى في منتصف
الشهر يوليو/تموز. حاول فينسنت ابتلاع لوحاته الخاصة ولذلك وضع في
المستشفى ولم يسمح له بالوصول إليها. رغم أنه تعافى سريعاً من الحادثة،
أصيب فان غوخ بالإحباط بعدما حرم من الشيء الوحيد الذي يحبه وهو فنه. في
الأسبوع التالي، سمح الدكتور بيرون لفان غوخ باستئناف الرسم. تزامن ذلك
الاستئناف مع حالة عقلية جيدة. أرسل فينسنت رسائل لثيو تفصل حالته الصحية
غير الثابتة. كما أن الأخير كان مريضاً أيضاً في بداية العام 1889. لم
يستطع فان غوخ مغادرة غرفته لمدة شهرين، لكنه في الأسابيع التالية تغلب على
مخاوفه مرة أخرى واستمر بالعمل. في أثناء ذلك الوقت بدأ فينسنت بالتخطيط
لمغادرته النهائية من المستشفى النفسي في سان ريمي. طرح ذلك على ثيو الذي
بدأ بالاستعلام عن البدائل المحتملة لعناية فنسنت الطبية.
منزل آكلو البطاطا
بقت صحة فان غوخ
العقلية والجسدية مستقرة جداً في بقية العام 1889. تعافت صحة ثيو أيضاً
وكان مستعداً للانتقال إلى بيت مع زوجته الجديدة، كما ساعد أوكتافي موس
الذي كان ينظم معرضاً (اسمه Les XX) في بروكسل حيث عرضت فيه ست من لوحات
فينسنت. بدا فينسنت متحمساً منتجاً في طوال ذلك الوقت. فصلت المراسلات
المستمرة بين فينسنت وثيو العديد من الأمور حول عرض لوحات فينسنت ضمن
المعرض. في 23 ديسمبر/كانون الأول من العام 1889 وبعد مرور سنة على حادثة
قطع الأذن، عانى فينسنت من نوبة أخرى استمرت لأسبوع، لكنه تعافى منها بسرعة
واستمر في الرسم. كما عانى من المزيد من النوبات في الشهور الأولى من
العام 1890. من المحتمل أن تكون تلك الفترة الأسوأ بالنسبة لحالته العقلية
اليائسة. بعد الاستعلام، شعر ثيو بأنه من الأفضل لفينسنت أن يعود إلى باريس
ويوضع بعد ذلك تحت عناية الدكتور بول غاشي (1828 - 1909). وافق فينسنت على
اقتراح ثيو وأنهى أموره في سان ريمي. في 16 مايو/مايس 1890 ترك فينسينت
فان غوخ المستشفى النفسي وذهب ليلاً بواسطة القطار إلى باريس.
كانت رحلة فينسنت
إلى باريس هادئة، واستقبله ثيو عند وصوله. بقى فينسنت مع ثيو وزوجته جوانا
ومولودهما الجديد، فينسنت ويليم (الذي سمي على اسم فينسنت) لثلاث أيام. لكن
فينسنت شعر ببعض الإجهاد فاختار ترك باريس والذهاب إلى أوفير سور أوايز.
اجتمع فينسنت بالدكتور غاشي بعد فترة قليلة من وصوله إلى أوفير. استطاع
فينسنت إيجاد غرفة لنفسه في إحدى المباني الصغيرة التي ملكها آرثر غوستاف
رافو، وبدأت بالرسم على الفور .
كان فنسنت مسروراً من أوفير سور أوايز
التي أعطته الحرية التي لم يحصل عليها في سان ريمي، وفي نفس الوقت زودته
بالمواضيع الكافية لرسمه. أسابيع فينسنت الأولى هناك انقضت بشكل هادئ. في 8
يونيو/حزيران، قام ثيو وجو وطفلهما الرضيع بزيارة فينسنت وغاشي ليقضوا
يوماً عائلياً ممتعاً. بقى فينسنت طوال يونيو/حزيران في حالة نفسية جيدة
وكان كثير الإنتاج، فرسم بعض أعماله المعروفة مثل "صورة الدكتور غاشي"
ولوحة "الكنيسة في أوفيرس". علم فنسنت بعد ذلك بخبر غير جيد وهو أن ابن
أخيه أصبح مريضاً جداً. كان ثيو يمر بأكثر الأوقات صعوبة منذ الشهور
السابقة. بعد تحسن الطفل الرضيع، قرر فينسنت زيارة ثيو وعائلته في 6
يوليو/تموز فذهب إليهم مبكراً بواسطة القطار ثم عاد إلى أوفيرس. في أثناء
الأسابيع الثلاث التالية، استأنف فينسنت الرسم وكان سعيداً.
المنزل الذي شهد اللحظات
الأخيرة من حياة فنسنت فان جوخ في أوفير سور أوايز
في مساء يوم الأحد
الموافق 27 يوليو/تموز 1890 أخذ فنسينت فان غوخ مسدساً وأطلق على صدره
رصاصة. استطاع فنسنت العودة إلى رافو وهو يتمايل حيث انهار على السرير ثم
اكتشفه رافو. تم استدعاء الدكتور مازيري وكذلك الدكتور غاشي، وتم الإقرار
على عدم محاولة إزالة الرصاصة من صدر فنسنت، ثم كتب غاشي رسالة طارئة إلى
ثيو . لم يكن لدى الدكتور غاشي عنوان بيت ثيو وكان لا بد من أن يكتب إلى
المعرض الذي كان يعمل فيه. لكن ذلك لم يتسبب في تأخير كبير، فوصل ثيو في
عصر اليوم التالي.
بقى فنسنت وثيو سوية حتى الساعات الأخيرة من
حياته. ذكر ثيو لاحقاً بأن فينسنت أراد الموت بنفسه، فعندما جلس إلى جانب
سريره قال له فينسنت أنه لا أن يدوم الحزن إلى الأبد. مات فينسنت فان غوخ
في الساعة الحادية والنصف صباح يوم 29 يوليو/تموز 1890م . الكنيسة
الكاثوليكية في أوفيرس رفضت السماح بدفن فينسنت في مقبرتها لأنه انتحر، لكن
مدينة ميري القريبة وافقت على الدفن والجنازة، وتم ذلك في 30 يوليو/تموز.
سار في جنازته ستة أشخاص بمن فيهم أخيه « ثيو » الذي زرع عبَّاد الشمس على
قبره ، وهي الزهرة التي كتب عنها ذات مرة : « كامن في زهرة عبَّاد الشمس،
أيها اللون الأصفر يا أنا » .
المنزل الأصفر
يخبرنا "كولن ولسن"
في كتابه "اللامنتمي" عاد فان كوخ إلى ذات المكان الذي رسم فيه لوحة حقل
حنطة وغربان وهو يتمتم (لا فائدة .. لا فائدة .. مستحيل) وبالتأكيد فان هذا
نتيجة لازدياد الشعور بفشله في الحياة (كانت حياتي انحدار لامفر منه نحو
الهاوية . ما الحياة إلا مصيدة وكنت أتحاشى دائما الوقوع فيها، لكن فات
الأوان ) وبصمت أطلق النار فاخطأ القلب وكان شاهده شجرة سرو وغربان وحقل
حنطة تهمس سنابله وسط طبيعة صامته.. فحمل أمعاؤه وعاد إلى غرفته . وعندما
سأله المحقق بشكل فض وبلا احترام عن سبب انتحاره أجابه بهدوء (انه جسدي و
أنا حر بالتصرف به، لا تتهموا أحدا).. وعلى كتف أخيه ثيو قال كلمته الأخيرة
( لن تنتهي التعاسة أبدا من العالم) وتلاشت روح الفنان رويدا .. رويدا كما
تلاشى الطريق الترابي الأحمر في ذات اللوحة، لكن صدى هذه الصرخة مازال
يتردد حتى الآن ليس في الحقول التي انتحر فيها وإنما في فضائنا الكوني وفي
حقولنا الروحية المضيئة ، لأنها من فنان مفجوع بألم إنساني بالرغم من انه
جاهد كثيرا لتحويل ألوانه إلى نور يضئ أرواح الآخرين . وبالتأكيد ان 37 سنة
عاشها الفنان غير كافية لكي يكمل لوحته الضوئية بالرغم انه تحمل فيها جميع
عذاباتنا كالقديسين ) .
قبر فنسنت فان جوخ وأخيه ثيو في
مقبرة " أوفيرس "
لم يحتمل أخوه ثيو
الحياة بعد موت اخيه ، فأودع في مصحة عقلية وتوفى بعد رحيل فنسنت بست شهور.
دفن في أوتريخت لكن زوجته جوانا طلبت في عام 1914م بإعادة دفن جسده في
مقبرة أوفيرس إلى جانب فينسنت. طلبت جو أيضاً بأن يتم زراعة غصين النبات
المعترش من حديقة الدكتور غاشي بين أحجار القبر. تلك النباتات هي نفسها
موجودة في موقع مقبرة فينسنت وثيو حتى هذا اليوم.
حاول فينسنت فان
غوخ في أعماله بأن يلتقط أكبر قدر ممكن من الضوء، كما عمل على إبراز تماوج
طيف الألوان في لوحاته المختلفة: الطبيعة الصامتة، باقات الورد (عباد
الشمس)، اللوحات الشخصية، اللوحات المنظرية (جسور لانغلوا، حقل القمح
بالقرب من أشجار السرو، الليلة المتلألئة). ويعتبر فان غوخ من رواد
المدرستين الانطباعية والوحوشية. تعرض أهم أعماله في متحف أورساي بباريس
(مخيم البوهيميون، لوحات شخصية)، وفي متحف فان غوخ الوطني في أمستردام
بهولندا.
بخلاف معظم الفترات السابقة لم يسُود في القرن التاسع عشر
أسلوب واحد فقط . ففي بداية القرن كانت الرومانطيقية في ذروتها ، وكانت لا
تزال هناك أساليب من الكلاسيكية الجديدة و ( الباروكية ) و ( الركوكية )
وكان لتلك الأساليب مؤيدون في الوقت الذي أصبح فيه معظم الفنانين
رومانطيقيين ، وركزوا في الخيال والطبيعة والمغامرات . واعتمدت الأعمال
العاطفية التي أنتجها الرومانطيقيون على الألوان بدرجة متزايدة بالقياس إلى
الحركات الفنية السابقة .
وعندما أصبحت الرومانطيقية هي الأسلوب
الفني المقبول ، نشأت حركة جديدة هي " الواقعية " وقد أعتمد الفنانون
العاملون وفق هذا الأسلوب على خبراتهم الفعلية ، ولم يكن أحدهم يرسم أي شيء
ما لم يكن قد رآه رؤية مباشرة أو أختبره فعلا ، ولذلك اختفت صور الملائكة
من رسومها .
وترك الواقعيون ـ
الذين كان يقودهم غوستاف كوربيه ـ أثرا هائلا ـ في عالم الفن . وبخلاف
الأساليب التي سبقت ، ومنها الرومانطقية ، لم يكن من المسر دائما النظر إلى
الأعمال الفنية " الواقعية " لأنها لم تكن تعبر عن خيالات محلقة ، وكانت
خالية من المبالغة . ولم يكن أسلوب الكلاسيكية الجديدة ، أو فخامة الأسلوب "
الركوكي " أو المغامرات في الرومانطيقية ، لتنسجم مع المشاهد التي كان
يرسمها " كوربيه " عن رجال يعملون على الطريق .
وفي عام 1863م عندما
كانت " الواقعية " تحظى بتأييد متزايد ، قدم إدوارد مانيه لوحته المعنونة "
غداء على الحشيش " وهي اللوحة " الانطباعية " الأولى التي أثارت استغراب
كوربيه والفنانين الواقعيين الآخرين ، ومع ذلك فإن مانيه والانطباعيين قد
أحدثوا انقلابا في عالم الفن .
لوحة حديقة الزهور
كان كلود مونيه هو
السبب في تسميته الحركة الجديدة دون قصد منه إذ إن احد نقاد الفن الناقمين
سمى الحركة الجديدة بالحركة " الانطباعية " بعد رؤيته لوحة " مونيه"
المعنونة " انطباع ـ شروق الشمس " وتلك السخرية التي جوبهت بها "
الانطباعية " ناتجة جزئيا من عنوان تلك اللوحة والفلسفة التي تنطوي عليها ،
ففي ذلك الزمن لا يفترض في الفن أن يكون مجرد انطباع بل المفروض فيه أن
يحكي حكاية أو يعكس معنى من المعاني أو ينطوي على عنصر أخلاقي أو أن يصور
حدثا معينا ، وباختصار ، كان المنتظر من الفن أن يكون له هدف أرفع من ذلك ،
ولكن الانطباعيين أرتؤوا أن الواقع المرئي له كل الأهمية ، وهكذا أكثر
الانطباعيون من رسمهم مشاهد الطبيعية بدلا من قيامهم بتصوير حالات دينية أو
تاريخية أو أخلاقية .
لوحة امرأة في مقهى تامبورين
[color:06