عراق الاصاله
غْـِـِـِيْـِـِـِر مُـِـِـِسَـِـِـِجَـِـِـِل لأنـنـآ نـعـشـقِ التـميز والـِمُـِمَـِيّـزِيْـטּ يشرفنـآ إنـظمـآمڪ معنـآ فيـے بـ منتديات عراق الاصاله

أثبـت تـوآجُـِدڪ و ڪـטּ مـטּ ~~> الـِمُـِمَـِيّـزِيْـטּ ..!ا

لـِڪي تـسـتـطـيـع أن تُـِتْـِבـفَـِنَـِـِا [ بـِ موآضيعـڪ ومشارڪاتـڪ معنـِـِـِآ ]
عراق الاصاله
غْـِـِـِيْـِـِـِر مُـِـِـِسَـِـِـِجَـِـِـِل لأنـنـآ نـعـشـقِ التـميز والـِمُـِمَـِيّـزِيْـטּ يشرفنـآ إنـظمـآمڪ معنـآ فيـے بـ منتديات عراق الاصاله

أثبـت تـوآجُـِدڪ و ڪـטּ مـטּ ~~> الـِمُـِمَـِيّـزِيْـטּ ..!ا

لـِڪي تـسـتـطـيـع أن تُـِتْـِבـفَـِنَـِـِا [ بـِ موآضيعـڪ ومشارڪاتـڪ معنـِـِـِآ ]
عراق الاصاله
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى للجميع شبابي متنوع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  تاريخ العراق

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
سفير الحب
مشرف
مشرف
سفير الحب


 تاريخ العراق  Jb12915568671
الثور
عدد المساهمات : 323
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالب

 تاريخ العراق  Empty
مُساهمةموضوع: تاريخ العراق     تاريخ العراق  Emptyالإثنين ديسمبر 27, 2010 9:25 am

الإدارة البريطانية في
الكوفة 1917-1920 (دراسة وثائقية) (1\2)



د. اسامة عبد الرحمن نعمان الدوري(*)


كانت الكوفة ضاحية من ضواحي مدينة النجف الأشرف، ويمت
أغلب سكانها السبعة آلاف بصلة القربى مع أهل النجف، وتتمتع بموقع جغرافي
متميز، فهي ضمن منطقة مليئة بالبساتين فضلا عن كونها المرفأ الرئيس في
المنطقة.
بلغت مساحة المدينة 150 كم2، وأبرز المهن فيها الزراعة والتجارة والعمل
بالنقل النهري.
ففي ميدان التجارة مثلث عقدة مواصلات بين النجف والصحراء من جهة، والحلة
وبغداد من جهة أخرى، ووقوعها على طريق الحج القديم الممتد إلى حدود الصين،
ولها تجارتها مع قبيلة شمر شمالي الجزيرة العربية، ومرت بها في الأحوال
الاعتيادية القوافل المحملة بشتى البضائع، ولا سيما الصوف والسمن الحيواني
ليبادل بالرز الذي اشتهرت به منطقة الشامية
وفي ميدان المواصلات ارتبطت مع النجف بطريق برى وآخر للترام، الذي أسس منذ
عام 1909، ومن الطبيعي أمام تلك الحقائق أن تنشط الحركة التجارية والملاحة
النهرية في الكوفة.
ولما كانت 90% من أهالي وأملاك الكوفة تعود لأهل النجف، كما يشير حميد خان،
وكيل الحاكم السياسي البريطاني في النجف، فقد انعكست الحالة السياسية التي
مرت بها مدينة النجف أواخر العهد العثماني ومدة الاحتلال البريطاني على
طبيعة الأوضاع في الكوفة فبعد طرد العثمانيين من النجف في نيسان/ ابريل
1915 وتولي شيوخ الكوفة السلطة في المدينة حتى أواخر عام 1917، شعر أهلها،
كما يشير التقرير البريطاني لعام 1918، بطعم الاستقلال التام والحرية
الكاملة ولم يدفعوا أية ضريبة، وإن هذا "الإحساس السعيد لن ينسوه بسهولة"،
وكان صاحب السلطة والنفوذ في المدينة علوان الحاج سعدون زعيم قبيلة بني
حسن.

بداية النفوذ البريطاني في الكوفة:

على الرغم من تمتع سكان المدينة بالاستقلال، ظلت تظهر حالة من عدم
الاستقرار وفقدان المن بين الحين والآخر، مما دفع عددا من الشيوخ وزعماء
العشائر إلى الاعتراف بالوجود البريطاني، وإجراء اتصالات مع رئيس الحكام
السياسيين منذ عام 1916، لقاء احترام العتبات المقدسة وعدم التعرض لها،
الأمر الذي رحبت به الإدارة البريطانية، وعرضت المساعدات المادية عند تعرض
النجف لمعاناة الضيق والضنك.
ومما تجدر الإشارة إليه، إلى أنه بعد احتلال بغداد في 11/آذار-مارس/1917،
وتحديدا يوم 29 آذار طالبت وزارة الحرب البريطانية إدارة الاحتلال
بالمحافظة على الأمن والسكينة طالما كانت الحرب مستعرة الأوار، وان يقتصر
الدور البريطاني في مناطق العراق المحتلة على إسداء النصح والمشورة، علما
أنه، وفي مثل تلك المرحلة من الحرب، لا يمكن لقوات الاحتلال الاستغناء عن
عدد من الضباط والجنود لتعيينهم في إدارة المناطق المحتلة، هذا فضلا عن
أوامر وزارة الحرب السابق ذكرها، وعليه فقد أوكلت مهمة تصريف الأمور إلى
الشيوخ وقتيا، مقابل مخصصات منحت لهم، وعدت المس بيل Miss G. L. Bell ذلك
هو الخيار الوحيد الذي "التجأنا إليه".
مثّل الإجراء السابق بداية النفوذ البريطاني في مدن الفرات الأوسط، ومنها
الكوفة، إذ مرت الإدارة البريطانية في المدينة وحتى نهاية عام 1917 بثلاث
مراحل، الأولى بيد شيوخ العشائر، والثانية بدأت في شهر آب، بتعيين سركيس
أفندي أول وكيل حكومي في الكوفة، ثم بدأت المرحلة الثالثة عندما أصبحت
المدينة مركزا لإدارة منطقة الشامية، والتي ضمت النجف والشامية والكوفة،
وتم تعيين الكابتن بلفور Captain F. C. C. Balfour حاكما سياسيا لهذه
المنطقة في تشرين الأول-اكتوبر من عام 1917، جاء ذلك بعد ابتعاد الخطر
التركي وحاجة قوات الاحتلال المتزايدة للمواد الغذائية، التي يمكن تأمينها
من مناطق الفرات الأوسط ذات الإمكانات الزراعية الواسعة فضلا عن أهمية
السيطرة على المنطقة وضرورتها.
ويبدو إن اختيار الإدارة البريطانية للكوفة مركزا لمنطقة الشامية، لم يأت
اعتباطا، إذ وجدت فيها موقعا إداريا وعسكريا متميزا، إذ يمكن التحكم من
خلالها بمداخل النجف المحاطة بالأسوار تلك المدينة التي وقفت بوجه الوجود
البريطاني منذ البداية، كما إن أهمية النجف الدينية دفعت البريطانيين إلى
عدم إثارة المشاعر وتأجيجها، مما انعكس على الوجود البريطاني ليس في العراق
وحسب بل في العديد من الأقطار الإسلامية.
ظل حبل الأمن مفقودا في الكوفة بين احتلال بغداد وقدوم الحاكم السياسي
البريطاني بداية تشرين الثاني- نوفمبر 1917، إذ لم يستطع سركيس أفندي توفير
الأمن والاستقرار لقلة الكادر الإداري لديه، فقد ساتولى بني حسن على جسر
الكوفة الوحيد، فارضين ضريبة المرور (الخاوة) على الأفراد ووسائط النقل
النهرية مما دفع الموقف إلى التأزم في الكوفة، وتدخل النجفيون، فأودى
الاقتتال بحياة عدد من الأشخاص يوم 26/آب-اغسطس/1917 والأيام التالية وصل
عددهم إلى أكثر من 40 قتيلا، ولم يتوقف الا بعد تدخل عدد من الشخصيات
النجفية المرموقة فعاد الأمن أواخر تشرين الأول 1917، بعد الاتفاق على
تعويض ذوي القتلى وارجاع القديم إلى قدمه، وبذل سركيس أفندي وحميد خان كل
ما في وسعهما لإيقاف الاقتتال واعادة "المياه إلى مجاريها".
تزامن وصول الكابتن بلفور، الذي يتكلم العربية بطلاقة، إلى الكوفة مع
انتهاء تلك الحداث فوصل عن طريق الديوانية –أم البعرور- أبو صخير بداية
تشرين الثاني وهكذا سيطر البريطانيون على الكوفة دون قتال.
بعد شهر واحد من وصول بلفور زار اسر برسي كوكس Sir P. Cox الكوفة ضمن جولته
في الفرات الأوسط. وفي الرابع من كانون الأول- ديسمبر 1917 التقى في
المدينة بالسيد كاظم اليزدي، المجتهد الديني، وعدد من شيوخها ومنهم الأخوين
علوان وعمران الحاج سعدون، بوشر على أثرها بإرسال الحامية العسكرية
البريطانية إلى الكوفة في الثاني من كانون الثاني- يناير/1918، والتي عسكرت
في شريعة التبن على بعد سبعة أميال من مدينة النجف شرقا، تلك المدينة التي
أعلنت عدم خضوعها للإدارة البريطانية من البداية، فاعتقد السر برسي كوكس
أن وجود قوة عسكرية في الكوفة سيكون له التأثير المطلوب على نحو غير مباشر
في أهالي النجف، ومع ذلك لم تستطع تلك القوة إيقاف انتفاضة أهالي النجف،
فتعرضت إلى هجوم في 12 كانون الثاني 1918، أودى بحياة خيال وجرح آخر مثلما
هرب حميد خان وأتباعه إلى الكوفة. ولم توقف الغرامات التي فرضتها الإدارة
البريطانية على أهالي النجف، بل دوت صرختهم ضد الوجود البريطاني مرة أخرى
فأدت إلى مقتل الكابتن مارشال W. M. Marshall في 19/آذار/1918، مما دفع
الإدارة البريطانية إلى فرض الحصار على النجف، ولم يرفع إلا بعد محاكمة
الثوار، وتنفيذ حكم الإعدام بـ(11) بطلا منهم يوم 30 آيار-مايو، شنقوا في
خان علي حمزة النصر الله، جرى كل ذلك في الكوفة كما صدرت تسعة أحكام بالسجن
تراوحت بين المؤبد إلى ست سنوات.
وعلى الرغم من تلك النهاية لانتفاضة النجف، بقيت إدارة الاحتلال تعلم علم
اليقين دور المدن المقدسة في تسعير النشاط المعادي للمحتلين سواء في العراق
أو في إيران.


الإدارة المدنية
البريطانية في الكوفة:


1. العلاقة مع
شيوخ الشعائر:


بعد أنت تولى البريطانيون إدارة الكوفة، على نحو مباشر لم يقطعوا حبل الصلة
بشيوخ العشائر، خاصة وإن الإدارة البريطانية أدركت حقيقة مهمة وهي أن
أولئك الشيوخ الذي كلفوا بجمع الضرائب نيابة عن الحكومة سوف لا يكونون
مسرورين للوضع الجديد وسيواجهون مهمة صعبة، خاصة وإن رغبة الشيوخ تنصب على
ضرورة تأكيد وجودهم وحقوقهم وسلطاتهم دون فقدان الصداقة والتعاطف مع
الإدارة الجديدة.
ومن ناحية ثانية، اعترف المسؤولون البريطانيون بأهمية الشيوخ الواضحة من
خلال تقديمهم النصيحة والمشورة في القضايا العشائرية.
وفي الكوفة أقام البريطانيون علاقة طيبة مع شيخي أكبر تجمع عشائري، علوان
وأخيه عمران الحاج سعدون، ولا سيما بعد أن أثبتت تلك العشيرة مكانتها في
الأحداث التي جرت في المدينة خلال أشهر آب وأيلول/سبتمبر وتشرين الأول
1917. ففي أثناء زيارة الحاكم المدني في العراق الميجر جنرال سر برسي كوكس
الكوفة التقى بعلوان وعمران وخصص لهما رواتب شهرية بواقع (300) روبية، بعد
أن عرضا خدماتهما عليه، الأمر الذي ثمنه حاكم الشامية السياسي بتاريخ 16
كانون الأول من عام 1917، معترفا "بجهود الشيخ علوان، فاستمر الشيخان
باستلام رواتبهما الشهرية طوال عام 1918.
ولم تكتف الإدارة البريطانية بذلك بل استجابت لطلب الشيخ علوان في الأول من
كانون الثاني 1918 بمنحه قرضا بمبلغ (500) ليرة، بعد أن أشاد الحاكم
السياسي به، مرة أخرى بعمله الجيد بأمور الري، فضلا عن أنه أبدى تعاونا
شريفا في معاضدة الحكومة.
وبعد انتهاء انتفاضة النجف عينته الإدارة البريطانية وكيلا حكوميا لمقاطعة
الكوفة ابتداء من الأول من تموز-يوليو 1918 براتب شهري (300) روبية. وقدم
أخوة عمران هدية للمحتلين 130 رأس غنم بتاريخ 11 تشرين الثاني 1918 قبلت
بعد تردد.
ومن الملاحظ أن علاقة الشيخ علوان ظلت جيدة مع الإدارة البريطانية طوال مدة
الاحتلال، ففي آذار 1920 وافقت الإدارة البريطانية على منحه قرضا بمبلغ
(5000) روبية، بعد أن وافق على شروط القرض.

2.
العلاقة مع رجال الدين:


أدركت الإدارة البريطانية، أيضا، مكانة رجال الدين المتميزة وخطورة
القرارات التي يصدرونها "الفتاوى" التي يلتزم بها كل الأتباع، لهذا حاولت
كسبهم والاستعانة بعدد من المجتهدين لإعادة النظام والاستقرار في النجف
والكوفة بعدما جرى من أحداث واضطرابات خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني
1917، قبل وصول القوات البريطانية الكافية، وقد نجحت الإدارة البريطانية
في كسب بعض رجال الدين إلى جانبها.
مما تقدم يمكن أن نفهم المغزى من وراء الاستنكار الذي أصدره السيد محمد
اليزدي لحادث مقتل النقيب مارشال، وبقاء اليزدي نفسه على اتصال مع القوات
التي حاصرت النجف اثر ذلك، وأثره الواضح في المحاولة لإيجاد مخرج للوضع
الحرج الذي مرت به مدينة النجف المقدسة، وكذلك إعفاء السيد اليزدي من ضريبة
البناء البالغة (1500) روبية على الخان الذي بناه على شط الكوفة نهاية عام
1919. ومنحها في أوقات مختلفة عددا من رجال الدين في النجف مبالغ نقدية
تراوحت بين 500-3000 روبية.
واستمرارا على هذا النهج السياسي في التقرب من رجال الدين، فقد أسندت سلطة
الاحتلال مسألة حل المسائل الشرعية لعلماء الدين من المجتهدين وحكام الشرع،
بينما تولت الإدارة البريطانية حل القضايا الأخرى، كما حاولت استغلال نفوذ
بعض العوائل الدينية المتنفذة من خلال إشراكهم بالأمور الإدارية سواء
الشرعية منها أو حتى بعض القضايا المدنية.


3.
التطور الإداري:


عينت الإدارة البريطانية الكابتن فيشر Capt. Fisher مساعدا للحاكم السياسي
في الكوفة، بعد مقتل الكابتن مارشال وحصار النجف عسكريا لتنظيم الجانب
الإداري.
في السادس من حزيران-يونيو 1918، تم تعيين وينكت R. E. L. Wingate حاكما
سياسيا في الشامية بدلا من الكابتن بلفور، وبقيت الكوفة مقرا له، وشملت
مسؤولية مساعد الحاكم السياسي في الكوفة إضافة للكوفة كلا من هو الدخن وأبو
شوره.
ولما كانت الكوفة ضاحية تابعة للنجف، فإن عمل مساعد الحاكم السياسي في
الكوفة وفي هذه المرحلة، لم يعد له شأن يذكر.
وبعد سيطرة الإدارة وانتهاء انتفاضة النجف، نقلت مقرات الحاكم السياسي إلى
النجف في الأول من آب 1918، وأصبح مساعد الحاكم السياسي في الكوفة مساعدا
للحاكم السياسي لمنطقة النجف-كوفة. ووضع سركيس أفندي، الذي أصبح مسؤولا عن
بلدية الكوفة تحت سيطرة مساعد الحاكم السياسي في النجف-كوفة.

4. بلدية الكوفة:

بعد تعيين سركيس أفندي وكيلا للإدارة البريطانية في الكوفة، وجه اهتمامه
لتوسيع النشاطات البلدية، وأول عمل قام به، طلبه في السادس من أيلول 1917
تبديل رئيس البلدية عبد الصاحب أفندي، ونسب محله عبد الرزاق أفندي العي،
إذا وافقت على ذلك الإدارة بعد أسبوعين فقط.
بعدها اهتم بفرض بعض الضرائب وتعيين المراقبين ورواتب العاملين في البلدية،
حتى وصلت رواتب العاملين في بلدية الكوفة خلال الشهر الأخير من عام 1917
إلى نحو (1113) روبية شملت رواتب رئيس البلدية والمراقبين الثمانية وعمال
التنوير والخادم. وهو مقارب لمجموع الواردات التي قدرها (1113) روبية وشملت
ضرائب على المسلخ وضريبة البيع والأرضية وبيع الخضراوات والعبور. وفي 25
تشرين الثاني من عام 1918 تطور ملاك بلدية الكوفة ليشمل الخدمات الصحية
فأصبح كما يلي:

العدد الوظيفة الراتب الشهري
(بالروبية)



1 مفتش 100
1 كاتب 70
2 مراقب 25 لكل منهما
22 ناطور 20 لكل منهم
4 مختارون 25 لكل منهم
3 جامعو الضرائب 50 لكل منهم
2 كولجيه 25 لكل منهما
1 كواز 30
2 منورون 25 لكل منهما
1 كاتب المسلخ 50

المؤسسة الصحية:

1 المفتش الصحي 100
4 مراقبون 35 لكل منهم
20 كناس 25 لكل منهم

6 أشخاص
يقودون الحيوانات (57) روبية لكل منهم مع حيواناتهم


ويشير التقرير البريطاني لعام 1918 إلى اهتمام سكان مدينة الكوفة بنظافة
مدينتهم وإنجازهم الخدمات البلدية بأنفسهم.
إن الخدمات البلدية التي شهدتها مدينة الكوفة قد أدت إلى ارتفاع قيمة
المنازل خمس مرات، فضلا عن الزيادة الكبيرة في الأعمال التجارية، والطلبات
المتزايدة حتى من أولئك الذين يعيشون خارج المدينة للحصول على موافقة
البناء في البلدة، وهذا أدى إلى زيادة الهجرة إلى الكوفة ليس من النجف فحسب
بل من مدن أخرى عديدة، وحذر التقرير البريطاني لعام 1918 من التوسع غير
المسيطر عليه، وأكد على ضرورة الاهتمام بتخطيط المدينة.

إن طلبات الأهالي المتزايدة للحصول على الخدمات البلدية ما هي إلا دليل على
حياة الاستقرار في المدينة، ففي النصف الثاني من العام 1919 طالب أهالي
محلتي البلوش ومسجد الكوفة شمولها بالخدمات البلدية وأبدوا استعدادا لدفع
الضرائب البلدية، فاستجابت الإدارة البريطانية لطلب هؤلاء مما تطلب الأمر
تعيين موظفين جدد للمحلتين الجديدتين، فتم تعيين مختارين ومراقبين ومنورين
للمصابيح وعشرة كناسين ليباشروا عملهم في الأول من تشرين الثاني 1919، وخمن
الضرائب التي ستقع على المحلتين ستة آلاف روبية سنويا.
وهكذا اتسع حجم الخدمات البلدية عام 1919-1920، وتزايدت أعداد العاملين في
البلدية لتضم مفتشا ومحاسبا وكاتبين وأربعة جباة للضرائب وكولجية عدد (2)
وكوازا وأربعة مختارين فضلا عن عدد من المراقبين والإداريين ومهندس البلدية
ورئيس منورين وأربعة عمال تنوير ومفتش صحي ورئيس مراقبين مع ستة مراقبين
وأربعة منظفي مراحيض وثلاثين كناسا وعشرة أولاد مع حيواناتهم تراوحت
رواتبهم الشهرية بين (30-120) روبية.
وأشرت التقارير أن مجموع مصروفات بلدية الكوفة ضمن ميزانية العام 1919-1920
بلغت (45962) روبية وخمس عانات، تضمنت رواتب الموظفين والحراس والمختارين
وأجور السكن وتكاليف الوقود والإنارة،بينما بلغت الواردات لشهر تموز 1920
(43533) روبية و(13) عانة و(2) بيزة، تضمنت ضرائب السكن والبناء والمسالخ
والحراسات الليلية وغيرها.
كما قدمت خدمات بلدية في العام 1919 بلغت تكاليفها (19) ألف روبية منها
(6650) روبية في المجالين الصحي والتعليمي، إذ أشار التقرير إلى وجود مدرسة
في الكوفة، وأولت بلدية الكوفة مشاريع الماء والكهرباء اهتماما خاصا ولا
سيما إضاءة المدينة وتزويد مضخات المياه والمطاحن ووسائط النقل بالطاقة.
وبالتعاون مع أصحاب المنازل المطلة على شط الفرات قامت البلدية ببناء جدار
النهر بكلفة (لكّين) من الروبيات. وبعد أن تسلمت قرضا بمبلغ (44) ألف روبية
من دائرة الواردات العامة، قامت بلدية الكوفة بتجفيف المستنقعات في
الأسواق وإنشاء أرصفة الطرق من الطابوق، كما أولت البلدية اهتماما بتخصيص
المبالغ الكافية لإجراء التحسينات على الطرق.

5.
الشرطة والشبانة:


اهتمت الإدارة البريطانية بتكوين قوة من الشرطة والشبانة منذ بدء نفوذها في
منطقة الشامية، واتخذت قوات الشرطة والشبانة من الكوفة مقرا لها.
في البدء تكونت قوة الشرطة من رجال محليين، إلا أن الإدارة البريطانية
أدركت حالة عدم الاستفادة منهم "فالنجفي في النجف ميؤوس منه، وإن أبناء
القبائل المجندين في خدمة الشرطة لا يمكن الاعتماد عليهم في مواجهة أبناء
المدينة".
ومن جهة أخرى جابهت الإدارة رفض السكان وعدم استجابتهم الانخراط في سلك
الشرطة، مما اضطر ادارة الحاكم السياسي في كانون الثاني إلى استقدام شرطة
من بغداد والكوت بواقع 25-30 رجل شرطة، كونت نواة شرطة النجف في
شباط-فبراير 1918، تحت إمرة اثنين من البريطانيين، وعملوا في ظروف غاية في
الصعوبة، إذ عملوا بين أناس يكنون العداء للحكومة وفي مدينة يكون عمل
الشرطي فيها صعبا، فقتل اثنان منهم أثناء انتفاضة النجف في آذار وتعرضت
حياة آخرين منهم للخطر.
وبعد رفع الحصار عن مدينة النجف، عين فيير Sergt Fear مسؤولا عن فصيل
الشرطة، وقام بتدريبهم على استخدام السلاح وكيفية ضبط النظام وواجبات
الدورية، وأسكنوا في خان البهرة Bohra داخل بوابة الكوفة، ووصل عددهم نهاية
عام 1918 إلى (65) شرطيا، وقد أوصت الإدارة البريطانية في منطقة الشامية
بأهمية وجود قوة من الشرطة في النجف شرط أن يكونوا من غير أبنائها (عجم
وكرد) وأكد على الحاجة لزيادة العدد إلى (150) رجل شرطة لتلبية كل
المتطلبات، ولأغراض نظامية ربطوا بالحاكم السياسي مباشرة منذ الأول من
كانون الثاني 1919.
ومما تجدر الإشارة إليه اهتمام الإدارة البريطانية في منطقة الشامية منذ
العاشر من شباط 1918 لبناء ثكنات الشرطة في الكوفة، قدرت تكاليفها بـ(1090)
روبية متضمنة تكاليف الحجر والخشب والجص والحصران والأبواب والشبابيك
وأجور العمل.
يبدو أن جهاز الشرطة لم يتطور على النحو المطلوب بحيث يكون قادرا على
القيام بواجباته على أكمل وجه، إذ حدثت بعض الجرائم في النجف والكوفة، كما
أشار حاكم الشامية السياسي في تقريره المؤرخ في 14 كانون الأول 1919، مما
أرعب سكان المدينتين، لذلك طلب تخصيص المبالغ الكافية لتعيين مزيد من
الحراس الليليين (البصوانية)، مشيرا إلى تعيين عدد منهم منذ عدة أشهر، وطلب
أن يكونوا تحت إشرافه المركزي المباشر، ولكنه، وفي نفس التقرير، اعترف
بعدم نجاح تجربة الحراس، لذلك أكد على أهمية تنظيم العاملين وزيادتهم في
جهاز الشرطة ليعملوا مع الحراس بعد زيادة عددهم.
وعلى أية حال فإن الإدارة البريطانية وافقت على تعيين الحراس الليليين
واستخدامهم في الكوفة منذ20 كانون الأول 1919.
أما قوة الشبانة فقد تألفت من أبناء القبائل، وتعاون بعض شيوخ العشائر مع
الإدارة البريطانية لتهيئة أفرادها، فمثلا زود الشيخ علوان الحاج سعدون هذه
الإدارة بخمسين رجلا من عشيرته، بين مشاة وخيالة.
انصبت واجبات الشبانة على حراسة الحاكم السياسي وإحضار أي شخص تريده
الإدارة البريطانية، إضافة إلى حفظ النظام في المنطقة، إلا أنهم أثبتوا عدم
جدارة ولا سيما أثناء انتفاضة النجف، كما أشارت الوثيقة البريطانية، وكانت
أعدادهم حتى حزيران 1918 (100) رجل في الكوفة و(150) رجلا في أبو صخير،
فضلا عن عدم كفاءتهم ورداءة تسليحهم وقلة تدريبهم.
في الأول من آب 1918 استلم الملازم ماكونيني Lieut. MacWhinnie مسؤولية
إعداد الشبانة في المنطقة، وفي شهر تشرين الأول أرسل الملازم وايت
لمساعدته، وطلب ضابطا آخر لمساعدتهما.
اتخذ ماكونيني من الكوفة مقرا له، وأنشأ مقرات شبانة المنطقة فيها. وبدأ
بإعدادهم تنظيما وتدريبا حتى أنه أعد لهم زيا موحدا، وتزايد عددهم إلى أن
وصل إلى (724) فردا، و(13) ضابطا و(589) مشاة (بيادة) و(122) خيالة (سواري)
ولكن تناقص العدد بداية العام 1919 إلى (550) فردا.
وهكذا أصبحت الكوفة مركز التدريب المركزي لقوة الشبانة إلا أن انشغالهم
بواجبات متعددة ومستمرة في أنحاء متفرقة من منطقة الشامية جعلت تطبيق الأمر
صعبا إذ كلفوا بالدوريات في الصحراء وحراسة دور الحكومة والدوائر الجسور
وضبط (المجرمين).

الكوفة ومشروع الاستثمار
الزراعي:


تبلورت فكرة البدء بمشروع الاستثمار الزراعي Agricultural Development
Scheme لدى إدارة الاحتلال البريطاني في تموز 1917 لمواجهة نقص الأغذية
وتكاليفه الباهظة، إذ انصب هدف المشروع على إنتاج (300) ألف طن من القمح،
مع تولي إدارة المشروع مهمة إيجاد البذور والمحاريث وتطهير القنوات.
وفضلا عن الجانب الاقتصادي فإن للمشروع فوائد سياسية، إذ انصرف أبناء
القبائل وهم أكثرية سكان البلاد إلى العمل في الحقول الأمر الذي اعترفت به
صراحة المس بيل عندما أشارت إلى أن موضوع الاستثمار الزراعي كان أقوى سلاح
لتهدئة العشائر.
بعد مصادقة الإدارة البريطانية في 19 أيلول 1917 على المشروع وتعيين غاربيت
ضابط الواردات الأول لإدارته، دعت الإدارة الملاكين والسراكيل وشيوخ
العشائر إلى التعاون معها وأنذرتهم بمصادرة الأراضي المهملة، كل ذلك من أجل
تنشيط العمل الزراعي ومضاعفة الإنتاج.
وبمجرد التطبيق الفعلي للمشروع هبطت أسعار الحنطة نهاية العام إلى (680)
روبية وأسعار الشعير إلى (350) روبية للطن الواحد بعد أن ارتفعت في تشرين
الثاني عند وصول الكابتن بلفورالي (1020) روبية للحنطة و(600) للشعير، وجاء
ذلك الهبوط في الأسعار بفضل موسم الزراعة الذي بشر بإنتاج وفير، وضخ إدارة
الاحتلال لكميات من الحبوب إلى المنطقة، وتوزيع الخبز مجانا على فقراء
النجف والكوفة.
ومن أجل نجاح مشروع الاستثمار الزراعي اهتمت إدارة الاحتلال بعدد من
المشاريع الإروائية مثل سد أبو لوخه.
بعد أن اتضحت حاجة مزارعي هور الدخن لتطهير القنوات في ذلك السد مع إعطاء
البذور، حيث بلغت المصروفات عليه (30) ألف روبية كنفقات لتغيير المجرى
وتطهير القنوات إلى هور الدخن.
ومن جهة ثانية تولى الشيخ علوان الحاج سعدون عملية توزيع البذور على
المزارعين وقدم أسماءهم في 25 أيلول 1917، وطلب سركيس أفندي سرعة تقديم
المساعدة في أعمال السدة وإعطاء البذور، لأن أحوال المزارعين أصبحت ميؤوسا
منها، وحذر من ترك المزارعين أراضيهم الزراعية خلال مدة قصيرة.
وفي 19 تشرين الثاني 1917، طلب بلفور تخصيص مبلغ (34250) روبية لمساعدة
مزارعي الكوفة بالبذور، وسلم المبلغ إلى الحاج عبد المحسن جلبي شلاش الذي
وزع المبلغ خلال الشهر نفسه، وكانت تلك المبالغ جزءا من مجموع الأموال التي
قدمت إلى مزارعي منطقة الشامية خلال عام 1917 البالغة (87) ألف روبية. ومن
الملاحظ أن إدارة الاحتلال نجحت إلى أقصى حد في عملية استعادة تلك القروض
التي قدمت إلى الفلاحين.
لم يقتصر الأمر على القروض والاهتمام بمشاريع الري بل اهتمت الإدارة بتقديم
المساعدة الفنية، إذ عينت مهندس ري نهاية عام 1917، ليذلل مشاكل الري
المختلفة في منطقة الشامية.
وحتى قبل نهاية الحرب العالمية الأولى، أولت الإدارة البريطانية وبالتنسيق
مع بلدية الكوفة اهتماما بإصلاح سد الكوفة فخصصت مبلغ عشرة آلاف روبية،
وواجهت عملية إصلاح السد صعوبات كبيرة مثل تجهيز المواد والحاجة إلى عدد من
الفنيين فضلا عن العمل بأسلوب السخرة وتكمن أهمية مشروع سد الكوفة
الإروائي فضلا عن أهميته الزراعية أهمية في تنشيط تجارة الكوفة وتنميتها
وتطوير المدينة، مما استدعى تخصيص مبالغ إضافية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الزراعة في الكوفة اعتمدت على السقي بواسطة
الكرود والنواعير والسيح وهو ما أشرته وثائق الاحتلال البريطاني وبينت
جداول عن عدد الأفدنة المزروعة واعداد الفلاحين فيها أيضا.
وظلت الإدارة البريطانية تتابع باهتمام تطور الإنتاج الزراعي، فقد عبر حاكم
الشامية السياسي في تقريره لعام 1919 عن خيبة الأمل الواضحة عند أكثرية
سكان منطقة الشامية، بسبب تلف المحاصيل الشتوية بسبب الفيضانات والبرد
والجراد واخفاق المشاريع الإروائية، وتكهن بإمكانية أن يؤدي ذلك إلى
اضطرابات خطيرة.



(*) قسم التاريخ/ كلية
الآداب/ جامعة بغداد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سفير الحب
مشرف
مشرف
سفير الحب


 تاريخ العراق  Jb12915568671
الثور
عدد المساهمات : 323
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالب

 تاريخ العراق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق     تاريخ العراق  Emptyالإثنين ديسمبر 27, 2010 9:27 am

الإدارة البريطانية في الكوفة 1917-1920 (دراسة وثائقية) (2\2)


د. اسامة عبد الرحمن نعمان الدوري(*)



الواردات البريطانية من الكوفة



أولت الإدارة البريطانية موضوع الضرائب من المناطق المحتلة أهمية كبيرة حتى تضاعفت إلى ثلاث مرات بين 1909 و1919، وعزى قسم الواردات تلك الزيادة إلى توسع وسائل الري وتحسينها الذي أثر في زيادة القطعة الزراعية، وتوافر ظروف الأمن والاستقرار، فضلا عن ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية وجباية الضرائب بشكل أكثر عدلا؟!
وبسبب الوضع الاقتصادي المتردي لم تستطع الإدارة البريطانية في الكوفة جمع أية عوائد من المحاصيل الشتوية عام 1917، سوى فرض ضرائب على التمور والرز والمحاصيل الصيفية جيدة المنتوج، ووعد بلفور بزيادة حجم الضرائب على الحاصل الشتوي عام 1918.
اقترح سركيس أفندي فرض الرسوم الخاصة ببلدية الكوفة حال البدء بتنظيف قصبة الكوفة في 22 تموز 1917، ووافقت الإدارة على فرض الرسوم على القصابين في الأول من تشرين الثاني 1917 بواقع (6) عانات على رأس الغنم الكبير و(3) على صغار الغنم (الهرفي)، مثلما فرضت رسوما على أصحاب المقاهي والدكاكين وحتى أولئك الباعة الذين يفرشون بضائعهم على أرصفة الطرق العامة. وهناك، أيضا، الرسوم المفروضة على النقل النهري بلغت مجموعها (1674) روبية في الربع الأول من العام 1918.
وفي عام 1918، حددت الإدارة البريطانية أنواع الضرائب المفروضة على نحو أكثر وضوحا، وجمعتها بأساليب جديدة اختلفت عما كانت عليه أيام العثمانيين، فضلا عن إدخال أنواع جديدة، وشمولها مناطق كانت تتهرب من دفعها. فقد فرضت الإدارة أنواعا مختلفة من الرسوم والضرائب في الكوفة خلال مدة الاحتلال تضمنت رسوم الذبيحة وعلى أصحاب المقاهي والدكاكين، ورسوما خاصة بالمقابر ورسوم النقل النهري، ورسوم بيع الحيوانات والأبنية والنفط والأرضية ووقفة الحيوانات المؤجرة، فضلا عن رسوم الخضراوات والخشب.
مثلت منطقة الشامية، ومنها الكوفة، موردا ماليا مهما بسبب الضرائب الفادحة التي أثقلت كاهل سكان المدينة، فقد فرضت ضرائب على المنتجات الزراعية، سواء كانت الأراضي سنية أم أميرية، فقد فرضت على المحاصيل الشتوية والصيفية بنسبة 37%، وعلى النخيل في الكوفة والنجف (ميري) (4) عانات لكل نخلة والسنية (6) عانات، والمحاصيل الشتوية والصيفية (الميري) بوساطة الكرود 10% والفواكه 10% والخضراوات 20%.
ومما يذكر أن الفيضانات والأحداث السياسية أثرت في حصة الحكومة من الضرائب الشتوية ولكن حاكم الشامية السياسي توقع أن تحصل الحكومة على (4000) طن من المحاصيل الشتوية عام 1919.
وعلى الرغم من تلك العقبات وصلت عوائد الحكومة إلى (95) ألف روبية بوصفه مجموع الضرائب كل منطقة الشامية عن المحصول الصيفي عام 1918 لمحاصيل الرز والسمسم والذرة والماش فقط، وحسب ما جاء في إحصائيات عام 1918 فقد بلغت حصة الحكومة من عوائد الرز نحو (4100) شلن، وكانت العوائد من إنتاج التمور (95) ألف روبية، إذ تأتي الشامية بالدرجة الثانية بعد البصرة بأعداد النخيل، فوصل العدد إلى أكثر من مليون نخلة.
وعلى الرغم من صعوبة جمع ضريبة الخضراوات، جمع مبلغ خمسين ألف روبية من العلوة مباشرة، وقدرت عوائد عام 1919 بـ(80) ألف روبية من الخضراوات.
وتعد منطقة الشامية من المناطق الغنية بالثروة الحيوانية في العراق، ولا سيما الغنم والماشية، إذ قدرت العوائد بحوالي (80) ألف روبية، وهناك ضريبة السمك وضرائب أخرى مختلفة على الخشب والسجاد وإجازات جلب التبوغ وأفران الطابوق وسبائك النحاس وأشجار الفواكه والطوابع وصلت إلى (40) ألف روبية.
وقدر التقرير العوائد من بيع الخضراوات (70) ألف روبية من القيمة الصافية لبيع الخضراوات في منطقة الشامية وهي (3.5) مليون روبية من القيمة الصافية لبيع الخضراوات.
ولما كان للكوفة رصيف نهري للسفن، فقد فرضت ضريبة بواقع عانة واحدة لكل بالة وضريبة رصيف للسفن نصف عانة للطن الواحد في اليوم.
ويعترف التقرير البريطاني، بأن نسبة العوائد في الكوفة تضاعفت في نهاية السنة عما كان عليه في بدء عام 1918. فقد فرضت ضريبة الوردية، ووصل معدل العوائد منها في الربع الأخير من عام 1918 إلى (520) روبية كل شهر. وذلك بسبب قوافل الحج وحماس جامعي الضرائب، وضريبة الميدانية، ونسبتها 2.5% وفرت لبلدية الكوفة دخلا بمقدار (300) روبية شهريا، فمثلا بيعت خلال شهر واحد أعداد من الحمير والبغال والخيل والثيران والجمال والأبقار بأسعار تراوحت بين (40-700) روبية للحيوان الواحد، كان أرخصها الحمير وأغلاها ثمنا البغال، أكثرها بيعا الحمير والبغال ثم الخيل، وهذا مؤشر على الحاجة الملحة لوسائل النقل والحمل.
وهناك ضريبة الدلالية التي فرضت على البضائع التي تباع بالمزاد وأعطت عوائد بواقع (180) روبية شهريا في الكوفة، مثلما فرضت ضريبة الحراسة (البصوانية) على المنازل والمحلات، وتوقع تقرير عام 1918 أن تصل الإيرادات في عام 1919 إلى (7500) روبية في الكوفة. كما فرضت ضريبة المنزل بواقع 10% من قيمة الايجار، وبدأ بتطبيقها منذ بدء عام 1919، وهناك ضريبة البناء والمجازر، التي كانت عوائدها قليلة بسبب صعوبة جمعها فضلا عن قلة أعداد الأغنام بسبب شرائها للجيش، ومن أجل السيطرة على الأمر اقترح إنشاء مجزرة في الكوفة.
أما ضريبة العبور (النقل النهري)، وهي وسيلة النقل الوحيدة حتى أيلول 1918، فقد بلغت (4475) روبية في الربع المنتهي في 30 حزيران، ازدادات إلى (4655) في الربع المنتهي في 30 أيلول، أما ضريبة الأرضية فقد بلغت في الكوفة في الربع المنتهي 30 حزيران (410) روبية، ارتفعت في الربع المنتهي في 30 أيلول إلى (760) روبية.
وفي الوقت الذي بلغت فيه واردات الكوفة في عام 1918 ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في عام 1917، فإن تلك الواردات شهدت زيادة واضحة في عام 1919، إذ بلغ مجموع الواردات البريطانية من الكوفة عام 1918 (38773) روبية، بينما وصل مجموعها إلى (48802) روبية خلال ثمانية أشهر فقط من عام 1919 (من نيسان-تشرين الثاني).


الأوضاع الاجتماعية في الكوفة:


انعكس تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي مر بها العراق على الأوضاع الاجتماعية (الصحة والقضاء والتعليم).
ففي الميدان الصحي انتشرت أمراض عديدة، عانت منها المنطقة، أبرزها مشاكل العيون والسفلس وأمراض السيلان والملاريا والسل وحصى المثانة وأمراض الأطفال.
وفي الكوفة انتشر مرض الجدري والكوليرا خلال شهر أيلول 1918، وعمل السيد ٍS. A. S. عبد اللطيف كل ما في وسعه لحصر انتشار الوبائين، ومن جهته عمل المفتش عوض علي Ewas, Ali التركيز على النظافة ولا سيما الطرقات.
ويبدو أن اهتمام الادارة البريطانية بمشاريع البزل قد دفع الى تعجيل العمل بعدد من الاساسيات، ولكن على الرغم من ذلك أنشأت البلدية عددا من المراحيض في الكوفة. وخصصت الإدارة مبلغ (39720) روبية رواتب سنوية لـ(15) موظفا وعاملا في المنشآت الصحية في النجف والكوفة، ومبلغ (80280) روبية على تنظيف البالوعات وبناء المراحيض والمقابر وتأمين الأدوية والوقاية من الأوبئة.
وفي شباط 1918 افتتح مستوصف الكوفة تحت إشراف ٍS. A. S. عبد اللطيف، ولكن خدمات المستوصف ظلت مقتصرة على معالجة حالات العيون، التي كانت منتشرة على نحو غير اعتيادي، ولكنها توسعت خلال شهرين فقط، اذ فتحت ردهة بستة أسرة، كما قدم الصليب الأحمر البريطاني مساعدة في تجهيز المستوصف، فازداد عدد المراجعين إلى (200) مريض يوميا. كما فتح مستوصف طوارئ في النجف في تشرين الثاني، مثلما تم إعادة بناء سراي الحكومة على هيئة مستشفى صغير، دخله (130) مراجعا يوميا، حددت أجرة الدخول إليه في بدء عام 1919 بأربع عانات للمرة الأولى و(2) عانة للمرات التالية، ولا تؤخذ أجور من الفقراء. ودعا حاكم الشامية السياسي إلى حاجة المنطقة الملحة إلى مستشفى الأمراض المعدية.
وفي الميدان القضائي أسندت القضايا الشرعية إلى أربعة مجتهدين فضلا عن بعض القضايا المدنية التي أحالها لهم الحاكم السياسي، وأعطي لهم حق إعطاء الفتاوى النهائية.
أما قضايا الجرائم والأراضي المدنية مثل الملكية والإيجار والديون فتعرض على الحاكم السياسي ويستخدم سلطته بوصفه قاضيا.
ومن جهته طالب الحاكم السياسي بتعيين قاض في منطقته لسعتها وكثرة سكانها، مثلما أوصى بتعيين حاكم شرعي في النجف من أحد المجتهدين لحل القضايا المرسلة من الحاكم السياسي، كما أوصى بتأسيس محكمة مدنية في النجف.
وفي ميدان التعليم ألقت الأحداث السياسية وتعقيدات المنطقة وشحة الكوادر العاملة بظلالها على هذا الميدان الحيوي، ولكن الحاكم السياسي طالب بإنشاء مدارس في النجف والكوفة خلال عام 1919، وتخصيص المبالغ اللازمة لهذا الغرض وحذر من استخدام معلمين من غير سكان المنطقة.


دور الكوفة في الحركة الوطنية:

لم تكن الكوفة بعيدة عما جرى في العراق خلال مدة الاحتلال البريطاني، فكان دورها واضحا في انتفاضة النجف، ولها صوتها المدوي في استفتاء ويلسون فضلا عن دور أهلها المشرف في ثورة العشرين.
ففي مساء نفس اليوم الذي تدفقت فيه جموع النجفيين على سراي الحكومة في تشرين الثاني 1917، كانت الانتفاضة قد امتدت إلى الكوفة، إلا أن سركيس أفندي سارع بالاتصال بشيوخ المدينة للسيطرة على الوضع، مثلما استنجد بلفور بالسيد اليزدي للتدخل وتهدئة الأوضاع، وأخذه بنصيحة اليزدي بشأن العفو عن عطية أبو كلل وكاظم الصبي لتعود الأمور إلى مجاريها.
ومن جهة ثانية، كانت الكوفة مقرا لاجتماعات النجفيين والبريطانيين ومفاوضاتهم، فضلا عن لقاءات الحكام السياسيين البريطانيين وزعماء الانتفاضة بالسيد اليزدي في داره. ومن أدل إرهاب أهل النجف فضلا عن ارهاب شيوخ النجف والشامية ووجهائها ومختاريها قامت الإدارة العسكرية البريطانية بدعوتهم لحضور تنفيذ حكمهم على ابطال الانتفاضة بالشنق، وعلى مقربة من جسر الكوفة في خان الشيخ علي نصر الله، بعد أن احضرت قاربا مسلحا قبالة الخان المذكور، ووجهت مدافعه شرقا وغربا، وجنوده على أهبة الاستعداد، ثم حلقت طائرة ويلسون فوق الكوفة بعد تنفيذ الحكم على ابطال الانتفاضة.
ولم تقف تلك الأعمال الإرهابية حائلا أمام الموقف الوطني المشرف لأهالي الكوفة والنجف، ولا سيما عندما دعت وزارة الهند في 30 تشرين الثاني 1918 أرنلد ويلسون إلى إجراء الاستفتاء على مستقبل العراق، فقد انصب اهتمام ويلسون على إجراء الاستفتاء بما ينسجم واقامة حكم بريطاني مباشر، فقد أوعز إلى نوربيري حاكم الشامية يوم 11 كانون الأول 1918، بدعوة علماء النجف والكوفة والشامية وأشرافها وزعماء القبائل، وحضر شخصيا لتبليغهم بمضمون الاستفتاء.
وفي سراي الحكومة لم يتفق الحضور مع رغبات ويلسون، وطلبوا منه مهلة، وافق عليها ويلسون، فذهبوا إلى الكوفة لتدارس الموضوع مع السيد اليزدي الذي عبر خطورة الأمر، وإن لكل شخص الحق بإبداء الرأي، ونصح بالاجتماع والمداولة، وتشعبت الآراء وتباينت عندما اجتمعوا في دار الشيخ محمد جواد صاحب الجوهر، وكانت لكلمات الشيخ عبد الواحد الحاج سكر القول الفصل إذ طالب باختيار ملك عربي من البيت الهاشمي وبحكومة عربية مستقلة يترأسها أحد أنجال الشريف حسين، ثم انتقل المجتمعون ثانية إلى الكوفة، مطالبين السيد اليزدي بإبداء الرأي، وكما يشير المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني فإن السيد اليزدي "تراجع وقال إنه بوصفه رجل دين لا يعرف غير الحلال والحرام، ولا دخل له بالسياسة مطلقا" وبعد الإلحاح قال: "اختاروا ما هو أصلح للمسلمين".
وعندما دعاهم نوربيري للاجتماع في الكوفة، أخفق في الحصول على الإجابة التي تمناها ويلسون منهم، إذ وقع الجميع مضبطة طالبوا فيها بحكومة عربية إسلامية يرأسها ملك عربي مسلم من أنجال الشريف حسين مقيدة بمجلس تشريعي، وبعراق تمتد حدوده من شمالي الموصل إلى خليج البصرة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن عدد الموقعين على تلك المضبطة بلغ (90) شخصا، مثّل الكوفة عدد من وجهاء المدينة وتجارها، منهم الحاج سعد الدعمي وهادي الحاج علوان.
كان لأهالي الكوفة الدور الوطني الواضح إبان ثورة العشرين، إذ حاصروا قوة بريطانية في خان اليزدي، وفشلت كل المحاولات لإنقاذها إبان الثورة، فضلا عن إغراقهم القارب البريطاني فاير فلاين بالتعاون مع عدد من الضباط العراقيين الأبطال، ذلك القارب الذي جاء إلى الكوفة لحماية القوة البريطانية المحاصرة.
ومن جهة ثانية فشلت كل المحاولات البريطانية لكسب ود رجال الدين وزعماء العشائر وكان أثر رجال الدين واضحا إذ أصدروا الفتاوى بالجهاد، مثلما كان للشيخ علوان الحاج سعدون ولأخيه عمران، الأثر المشرف، وهما الأخوان اللذان حاولت الإدارة البريطانية استمالتهما طوال مدة الاحتلال، حتى يشير أحد المعاصرين للثورة إلى ما للشيخ علوان من "شأن كبير في الثورة العراقية بحيث لا يمكن أن يستغنى عنه في مثل حركة خطيرة كتلك الحركة" مما أكد عليه أكثر من شخصية معاصرة منهم علوان الأسرى والخليلي والشيخ عبد الكريم الجزائري، حتى أن الأخير أكد أنه "لولاه لتغير مجرى الحوادث ولم تقم الثورة يومذاك"، ولم يكن دور عمران بأقل من أخيه الأكبر، إذ وزع الأسلحة والأموال على شباب عشيرته، وكان جزاؤه أن هدمت قوات الاحتلال منزله واستولوا على مواشيه وخيله ولم يتركوا له شيئا، وسجن في الحلة حتى صدور العفو العام.
وهكذا تتضح معالم فترة تاريخية مهمة من تاريخ الكوفة الوطني وكيف واجه أهلها الاحتلال البريطاني وكذلك دور أبنائها في المساهمة مع أبناء العراق في وضع اللمسات الأولى لمستقبل العراق السياسي.

(*) قسم التاريخ/ كلية الآداب/ جامعة بغداد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سفير الحب
مشرف
مشرف
سفير الحب


 تاريخ العراق  Jb12915568671
الثور
عدد المساهمات : 323
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالب

 تاريخ العراق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق     تاريخ العراق  Emptyالإثنين ديسمبر 27, 2010 9:28 am


فكرة الزعامة كعامل فاعل في سياقات الفخاريات الرافدينية القديمة



محمد العبيدي(*)

(خاص لمعهد الحضارية)




لقد تزامن ذلك في بنية الفكر في المعتقدات الدينية، مع زيادة تبدو واضحة
جداً وهي زيادة عدد السكان، وبهذا اوجد السياق مرة اخرى، مفاهيم السلطة
التي تقدر حركة المجتمع بما فيها مفرداتها المتغيرة، وتكوين هذه المجتمعات
اسندت واجبات خاصة، هي واجبات قيادية في الفعاليات الاجتماعية، هذه كانت
فعاليات ملموسة واقعية، تلك الافكار تصدى لها الفخار ووجد ارضية صالحة، لان
تكون نشاطاً ابداعياً بعد ان تكون النضج والاكتمال في صراع الانسان مع
بيئته، وكذلك مع مظاهر الكون الذي انشأ به المعتقد الديني، حيث يؤكد (جوردن
تشايلد) انه ((من الممكن استنتاج وجود زعيم السلطة المدنية، اذ كان احد
المنازل في محلة ما اكبر بشكل واضح واكثر اتساعاً وافخم اثاثاً من كل
الباقين، او اذا كانت قلة من القبور في المدفن اكثر ثراء في محتوياتها من
الباقين، خاصة اذا كان شكل القبر شاذاً، او كانت مراسيم الدفن تصحبها تضحية
بالانسان او غير ذلك من الاحتفالات المتميزة))(1).
هنا يبرز التشكيل الفخاري بشكل مؤثر، في مجمل العلاقات الذهنية، وخصوصاً
التي اوجدها السياق حتى في عملية التحليل والتركيب، والخاصة والمحددة بنظم
العلاقات الشكلية، حيث كانت الاواني الفخارية ايضاً، هي حالة تسجيل لكل ما
يثير من اشكاليات واقعية، يسقطها الانسان نفسه على بنائية العمل، وحتى يصل
بالسياق الى نوع من الرمزية، باتجاه المحركات الاساسية في الفكر، التي
اوجدت دلالاتها وكونت ((نتيجة حاصلة في إجراء تحويل النظريات الفكرية الى
ممارسات فعلية))(2).
وبهذا تكون لدينا النظام الشكلي وبنية العلاقات الذهنية، التي كان احد
محركاتها هو السياق، لكنه هنا بعمق دلالي، وذات اشكال بسيطة ومنحوتات معقدة
ورسوم تجسدت على سطوح الفخاريات، كل التجمعات الاولى في بلاد الرافدين،
كانت فلاحية في الواقع لانها كانت تمارس الزراعة كحرفة اولى، هذا ولد زيادة
في عدد السكان وعندها تعددت الفعاليات الاجتماعية.
وهنا لابد من وجود نظام مبرمج ينظم الفعاليات، لتسير بمسارها الصحيح وتكون
منظمة للجميع، ومن الذين يكونوا في الممارسة او خارجها ذلك تكون نتيجة
(متطلبات الفعل الاجتماعي للممارسات الزراعية والانتاجية والفعاليات العامة
الاخرى))(3) ومنها وضح السياق سمات شكلية ارتبطت مباشرة بالمضامين
الفكرية، لانها ليست فردية بل كانت جماعية، فيما اعطاها السياق، معطى فكري
فرض بسبب الفعاليات الاجتماعية.
ونطالع المنجز التشكيلي من عصر سامراء لتمثال فخاري عرف باسم رجل متمثل
بهيئته العارية، وهنا تظهر القوة الجسمانية، وهذا تعبير رمزي للطاقات
التذكيرية فيه، هنا التفرد الذي اكتسبه من السياق، اعطاه خصوصية الزعامة،
لانه تميز بمميزات فنية، اشتركت به حتى السمات التعبيرية، ليجد الفكر
ممارسة طقسية، تقوم على اساس التكاثر للبشر انفسهم، ولكثرة عدد السكان،
ارتبط بأدامة الفعاليات الزراعية، المرتبطة بالجماعة اساساً. ((رجل تل
الصوان من بين نتاجات فنية، والذي يتميز بكونه مجوفاً وله ثقب صغير في اعلى
الرأس))(4).

 تاريخ العراق  04

الشكل رقم(1)

وبهذا تم تكثيف دلالة الشكل لان الاهتمام بالشخصية من الناحية البنائية،
اخذت وقتاً لان تكون منفردة حتى جاءت البنى واضحة للفكر من خلال تطعيم
العيون بالاحجار، وهذه نوع من التقنية المتطورة،فوجود الزعيم في المجتمع
الرافديني، كان حاجة اجتماعية، قوة، بطولة، مسؤولة في توحيد الفعاليات،
فلابد من ان هناك صفات تفرز دلالة تعطي ملامح القوة، وهذا ((تواصل شكلي
فيما بعد العصور اللاحقة، وجد خصوصية في مواصفات البيئة بتعبيره الفكري عما
هو سائد في الوسط الاجتماعي وكتفعيل تعبيري للمضمون الفكري لصورة الزعيم،
كقائد وموحد ومدافع، تفترضه معادلة الوجود (الحياة والموت) تستأثر البطولة
فيما بعد كصفة مستمرة للزعيم حيث ينبري البطل تحت عطائها كرمز اجتماعي))(5)
هذا احتل طابعاً مهماً اعطى للسياق، اكتشاف في تجسيد صورة الزعيم التي
احتلت مكانة مهمة في كينونة الصورة البشرية، لان هي التي تقوم ((بالدفاع عن
الحياة والتجدد والبقاء ضد – قوى الفناء))(6) وبهذا انعكس بصورة واضحة، في
احتلال موقع مهم في قدرة الفنان الابداعية في ان تحيلها لمنجزات تشكيلية،
متمثلة بالصيد الملكي، وصور الملوك الذي يصارعون الاسود، رمز الشر والموت،
فالفعل البطولي هو الذي اعطى دلالات رمزية على قوة التذكير، هو الزعيم،
والموحد، هو ((البطل الذي يربح معركته ضد الوحش))(7) كما في الشكل(2).


 تاريخ العراق  01

الشكل(2)


 تاريخ العراق  02

الشكل(3)

فقد كانت الكثير من الفعاليات والطقوس تقام من قبل الزعيم، مشحونة بقدسية
تشير الى صفات التعظيم، لان هناك استعارات رمزية جددت ديمومة، الطقوس
والفعاليات الدينية، وجعلتها قائمة بما يعزز دور الزعيم كرمز، للدفاع عن
الحياة وتجددها بما تفرضه عليه الطقوس الدورية التي تقام على شكل فعاليات،
وهي مرتبطة اساساً بالمعتقدات الدينية التي وفرها السياق، ضمن خصوصية الفكر
الذي يطالعنا المنجز التشكيلي الاثري (رجل اريدو) ((وهو يمسك بيده
المتلافية امام الصدر ما يشبه العصا او الصولجان)) ثم بالاضافة الى وجود
رموز، ذات مضامين قدسية ترتبط بالبيئة اساساً، وبالواقع ا لزراعي المرتبط
بأداء الفعاليات الاجتماعية، لانها مفروضة من قبل الحاجة الذاتية لمجتمع
بلاد الرافدين وفي جنوبه لانه غير موجود في مجتمع بلاد الرافدين الشمالي،
وكان نتيجة ((لظاهرة الاكتفاء الذاتي لدى العوائل الفلاحية)) (Cool وهذا يبرر
لنا عدم وجود منجزات ذكرية تواكب الاعداد المتزايدة، من منجزات تشكيلية
انثوية وآلهيه.
ارتبط السياق بشكل واضح، ضمن دلالاته التي واكبت التمثيل الرمزي لزعيم
انسان في تمثيل واقعي، لاعضاء التذكير البشرية واغطية الرأس والشارات
التزيينية والعصا، المحمولة كما في الشـكل (3) كل هذه الدلالات اعطاها
السياق صفات كلية، عامة وشاملة يعتمد الفنان في تمثيلها الواقعي، دون زوائد
تعدى مرحلة السياق حتى لا تضطرب محركاته المتفاعلة ويفقد خاصيته المفرزة
من سمات القائد والبطولة، هذه المضامين الفكرية اسقطها الفنان على منجزات
تشكيلية توافقت تماماً ونضجت في الفكر السومري في الادوار اللاحقة، لان نمط
التطور لبنية الحضارة السومرية، فرض السياق بها اشكال فنية عديدة ((مثقلة
بمخاوف وارهاصات الحياة المتوحشة، وقساوة الموت تجعل من اشكال المرحلة،
ميلاً الى الهندسية، في حين تمنح البيئة المتعاطفة مع الانسان صفة
العضوية))(9)
وبهذا المضمون للفكر السومري امتثلت الاستقرارية، في افراز طابع حواري
جدلي، هو تحقيق معادلة مهمة اوضحت حتى التسمية (البطل، الحاكم، الزعيم) هذه
التسمية هي التي حققت المعادل الفكري، الذي اوجده السياق الذي عكس الطيف
بخصائصه، الفكرية والدينية والطقوسية وعكست لتكون محرك فكري، ارتبط بنظام
ملكي زعامي، كان حافز لتفعيل مسؤوليته برهب الاعداء، وزعامته للجماعة، وبها
فاق الشخوص الاخرين، ليعكس هذا الارتباط على المنجز، كمضمون فكري لما حمله
المنجز التشكيلي الفخاري، من سمات الشكل الاساسية كما في الشـكل (4).

 تاريخ العراق  03

حيث تم هناك تبسيط، واختزال واضح حتى يضل الى صفاته الكلية، بعد ان اعتمد
الفنان في تمثيله الواقعي لاعضاء التذكير، البشرية واغطية الرأس والشارات
وغيرها، هذه هي دلالات قيادية انفردت بخصوصية، كان السياق له الدور المهم
في حمل هذا المضمون الفكري المحايث، لفكرة البطل او الزعيم، هذا التواصل
الحضاري له مهمة حددها السياق، ليستمر الفن السومري خصيصته الشكلية حتى
تتوافق مع السمة الشكلية المحفزة للمضمون الفكري السومري.




المصادر
ــــ
(*) باحث من العراق.

1. جوردن تشايلد, التطور الاجتماعي, ط3, ترجمة لطفي فطيم, مراجعة كمال
الملاح, مؤسسة سجل العرب, سلسلة الالف كتاب(599) القاهرة, 1979.
2. فوزي رشيد, المعتقدات الدينية, حضارة العراق,ج1, تاليف نخبة من الباحثين
العراقيين, دار الحرية للطباعة, بغداد, 1985.
3. زهير صاحب, المنحوتات الفخارية البشرية المدورة من عصور قبل التاريخ في
العراق, رسالة دكتوراه غير منشورة, جامعة بغداد كلية الفنون الجميلة,1996.
4. Oates, J. The Baked clay figurines from Tell Essawan Iraq.Vol.xxvIII,
part2, 1966.
5. زينب كاظم , المورث الفني التشكيلي الرافديني في الخزف المعاصر , رسالة
ماجستير غير منشورة, جامعة بغداد, كلية الفنون الجميلة ,2001.
6. زهير صاحب , جورنيكا عصر حلف , مجلة الاكاديمي , المجلد8, السنة8, العدد
29, وزارة التعليم العالي والبحث العلمي , جامعة بغداد , كلية الفنون
الجميلة,بغداد,2000.
7. غوستاف يوتك واّخرون , الاقتراب من اللاوعي, الانسان ورموزه , ترجمة
سمير علي, دار الحرية للطباعة,1984.
8. Safer f.eta;.Eridu, State Organization of Antiquities and Heritage
Ministry of Culture and Information, Republic of Iaq, Baghdad , 1981.
9. هربرت ريد, معنى الفن , ترجمة سامي خشبة, مراجعة مصطفى نجيب, دار الشؤون
الثقافية العامة, وزارة الثقافة والاعلام, الجمهورية العراقية, بغداد,
1989.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سفير الحب
مشرف
مشرف
سفير الحب


 تاريخ العراق  Jb12915568671
الثور
عدد المساهمات : 323
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالب

 تاريخ العراق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق     تاريخ العراق  Emptyالإثنين ديسمبر 27, 2010 9:29 am


الأبعاد الفكريّة لملحمة
جلجامش


د. عفيف فرّاج(*)

أ ـ البعد الصوفي الهيغلي في
شخصيّة جلجامش


من المفارقات المؤسفة في
تاريخ الفلسفة أن هيغل الذي قرأ تاريخ العالم وكأنه سيرة الله الذاتية،
وطابق تجلـّي فكرة الحرية في التاريخ بإنسان ينفي أباه السماوي ليتـّحد
بالروح القدس أو أن الإنسان الكامل الذي يعي ويحيي إلهه في ذاته، لم يتح له
هو الآخر قراءة ملحمة جلجامش وهي التي تأخر اكتشافها حتى العقد الرابع من
القرن العشرين. ولو أتيح لفيلسوف الجدل بين الله والإنسان، المثال الفكري
والواقع التاريخي، أن يقرأ الملحمة السومرية لرأى في جلجامش، البطل
الآسيوي، أول تجلـّيات الجدل الحي بين المخلوق والخالق.
إن الصراع بين الآلهة الخالدة والإنسان الفاني يجد رمزه الحسّي أو معادله
الموضوعي في تكوين جلجامش المثنويّ من العنصرين الإلهي والإنساني معاً. فهو
قد ورث عنصر الألوهة بنسبة الثلثين عن والدته كما ورث عنصر الفناء البشري
بنسبة الثلث عن أبيه، فكيف يمكن أن لا يتحول كيان جلجامش إلى ساحة صراع
تتنافى فيه الموضوعة ونقيضها، البقاء والفناء؟ وكيف يمكن المصالحة بين قطبي
الجدليّة المتضادّين وعنصر الألوهة هو عنصر النار الذي يشدّ الكائن إلى
الله في العلى، وعنصر الفناء هو الماء الذي ينحدر به إلى أسفل التراب؟ وكيف
يمكن أن تهدأ عاصفة القلق في قلب يقلق سكونه شبح الموت الآتي من جهة الأب
الفاني، وأن لا يشدّ الروح بجناحه إلى مصدره الإلهي الآتي من جهة الأمّ
الأبدية؟ أو ليست كلمة «أم هي أولى الكلمات التي استخدمت في اللغات
الساميّة لتدلّ على الحرية ـ كما يقول بريستد؟»
والحقيقة هي أن جلجامش المترحّل على قلق بين تراب الأرض وضياء السماء،
الإنسانية والألوهية هو أول من يجسّم في ترحاله الموضوعة الهيغلية التي
تختصر مسار الروح الهيغلي ومرتجاه في التاريخ، وهي الموضوعة القائلة، «إن
من طبيعة الإنسان المتناهي أن يتخطي تناهيه ليصبح لا متناهياً»، (it is in
the nature of The Finite man to transcend his finiteness and become
infinite).
عن مسار جلجامش الملحميّ ليس سوى الجهد البطولي لتخطـّي شرط «التناهي
الإنساني أو قانون الضرورة إلى الحرية المطلقة»، وشوق جلجامش إلى المطلق
يتمظهر بدءاً في ضيقه البادي بمحدودية المكان والزمان وأجل الإنسان. وهذا
الشعور بالانحباس أو الحصار الزمكاني هو أقوى الدوافع المحرّضة لجلجامش كي
يجوز حدود المدينة ومحدودية العمر في رحلة أولى إلى غابة الأرز التي تتقدّم
رحلة البحث عن الخلود. فالوعي بمحدوديته أو تناهي الزمان والمكان هو سبب
الشكوى الملتاعة التي يرفعها بطل الملحمة للإله شمس ليحظى مشروع تخطـّية
للمتناهي برضى الإله ودعمه.

يقول جلجامش:

«في مدينتي، يموت الرجل كسير القلب
يفنى الرجل حزين الفؤاد
أنظر من فوق السّور
فأرى الأجساد الميتة طافية في النهر
وأرى أنـّي سأغدو مثلها»(1).


يشهد هذا الخطاب الذي يوجّهه جلجامش للإله شمس على ولادة ما يسمّيه هيغل بـ
«الوعي الشقيّ»، وهو الوعي التناقضي بإمكانات الحرية المنطوية التي تدركها
الروح من جهة، ومعوقات نشرها أو تحققها على أرض الواقع من جهة ثانية.
ونسمع في النص قبضة عصبية تدقّ أبواب المكان المغلق مرموزاً بالسّور، كما
تدق أبواب الزمان المغلق مرموزاً بالجثث ترسم في طوافها الأجل المحدود
والمصير المحتوم. وحين يسأل إله العدل جلجامش عن السبب الذي يدفعه إلى
السفر الطويل إلى أرض لم تطأها قدم إنسان بعد، يحاجج جلجامش الإله من موقع
ندّي مدافعاً عن حقـّه في غزو الأرض الوحشيّة بسؤال هو الأبلغ يوجّهه إلى
الإله شمس:
«إذا كان ما أحاوله مُحالاً فلماذا حرّكت في قلبي الرغبة الحقيقية»؟(2).

وتعيد والدة جلجامش صياغة السؤال نفسه في كلمات
مختلفة:


«لماذا وهبت ابني قلباً قلقاُ واليوم قد حفـّزته فمضى في رحلة طويلة إلى
موطن خمبابا»؟(3).
إنّ هذه المحاججة تـُقرّبُنا من الجدلية الهيغلية التي تؤلف بين الإنسان
والله، الأب والابن. ذلك أن جلجاش يسند حق الروح في الانعتاق من أسر الزمان
والمكان وتناهي الإنسان لرغبة زرعها الله في القلب أو لقلب قلق هو من خلق
الله، فلا يستطيع الله بالتالي أن يقف موقف اللامبالاة تجاه خلقه، كما أن
الإنسان لا يستطيع إلاّ أن يستجيب لنداء إلهي يهتف في أعماق نفسه ويدفع به
إلى تخطـّي تناهيه. فإذا كان الله مقيماً في الإنسان فلابد للإنسان من
النزوع للإقامة في الله والتحقق في أوفق مفتوح على المطلق. وإذا كان
المصريّون القدامى قد تحدّثوا عن «الله المقيم في الإنسان»، كما يقول
بريستد، فإن ملحمة جلجامش تشهد على أنّ وعي الله في الذات (وعلى الطريقة
الصوفية الهيغلية) لم يكن غريباً عن السومريين كذلك. لهذا فإن قلب جلجامش
لا يهدأ قبل أن يحقق في العالم الظاهر الجوهر الإلهي الذي يستبطن نفسه. إذ
«لا بدّ لكل جوهر أن يتمظهر»، كما يقول هيغل (Every essence has To
manifest itself in existence).
إن محاولة جلجامش قهر الموت الذي يقهر البشر تثير الإعجاب بما تتضمنه من
جهد جبّار يفرضه الروح القوي على جسد تروّضه الإدارة وتدفعه إلى المضيّ،
رغم ضنى الترحال ونضوب الطاقة، عبر «ممرّات الجبال» وفوق «مياه الموت»
والصحارى التي تجلدها الشمس، ليحاور الإله شمس مرة أخرى على أرض جنينة
شبيهة بالجنة الموصوفة في الكتاب السماويّ، حيث الأشجار تأتلق بشتّى أنواع
الجواهر. والحوار المتجدّد بين الإله ـ الأب وجلجامش ـ الابن يضع البعد
الهيغلي في شخصية جلجامش في دائرة الضوء أكثر من قبل.
يخاطب شمس مريده جلجامش، وقد فاجأه وصوله إلى ذلك المكان القصيّ (الذي
يحدّده الباحثون بين عدن والبحرين)، بقوله:
«إلى
أين تمضي يا جلجامش؟
وإلى أين تسعى بك قدماك؟
إنّ الحياة (الأبدية) التي تبحث عنها لن تجدها»(4)
.
ويجيب جلجامش الإله إجابته الصوفية المثيرة:
«أبعد
جري البراري، وتطوافي
أسند إلى باطن الأرض رأسي
وأنام السنين الآتية؟
لا.. دع عينيّ تحدّقان في الشمس
حتي يبهر الضياء عيني»(
5).
هذا الإصرار على عناق النور يستحضر قول الإشراقي أفلاطون «إنّ أعلى مراتب
الحياة هي صعود الرّوح إلى الله بواسطة الشوق المسمّى بالحب». وبالعودة إلى
هيغل المبهور هو الآخر بفكرة الروح المضيء، نقول إنّ إصرار جلجامش على
التحديق في وجه الشمس حتى الانبهار يفضي بنا إلى مثال الروح الهيغلي الحرّ
ماثلاً في إنسان يدركه الوعي بنور يصدر عن شمس تشرق داخله، وهذا النور
الداخلي يسعى لملاقاة نظيره الإلهي الكوني مرموزاً بالإله شمس رب العدالة
والحقيقة، وفي اللغة الصوفية «إنه النور يطلب الاتحاد بالنور».
لقد افترض هيغل في مؤلـّفه الشهير فلسفة التاريخ «أن الشخصية الشرقية بقيت
مبهورة بالشمس الخارجية (الحسّيّة) في حيث الشخصية الغربية التي تفتقر إلى
شمس الشرق أطلقت شمسها من داخلها»(6). لكن جلجامش البطل الآسيوي الشاخص في
النور هو الأول الذي يعلن في الألف الثاني قبل الميلاد، وباسم الإنسان
الشامل، عن حق الإنسان في معرفة الحق والحقيقة الكليّة مرموزة بالشمس.
ويستحثـّه إلى التماهي مع الإله الشمس نور يسطع من داخله مبدّداً ظلمة
الجهل:
«فالظلمة تتراجع أمام النور المنتشر،
فهل يرى من ذاق الموت ضوء
الشمس أبداً؟».
إن جلجامش في بحثه القلِق عن خلود هو أكثر قلقاً من شاعرنا المتنبّي الباحث
عن ولاية وهو القائل:
«على قلق كأنّ الرّيح تحتي تحركّني يميناً أو شمالاً».
وجلجامش العاجز عن التصالح مع الشرط الإنساني، واندفاعه لتحقيق المحال،
يحمل ملمحاً من «دون كيشوت» الذي حوّله المثال الراشح من النص الرومانتيكي
المكتوب إلى «رغبة فقدت هدفها». وهذه الرغبة في الخلود ليست حالة شاذة بقدر
ما هي ذهنية سومرية ـ بابليّة ـ أشورية جميعة عامة تنعكس في مرايا
الأساطير التي عرفتها شعوب بلاد ما بين النهرين مثل «أسطورة أدابا»(7)،
الذي علـّمته الآلهة جميع العلوم، ولم تـُخف عنه من أسرارها إلاّ سرّ
الحياة الأبدية التي لا تنتهي بالموت، و«أسطورة إينانا»(Cool و«أرض دلمون
والعصر الذهبي»(9)، بل «إن ملحمة جلجامش ذاتها بنيت على أقاصيص أقدم منها،
أعيد سبكها في قالب جديد، وجمعت حول موضوع الموت»)(10).

ب ـ البعد الفاوستي في شخصيّة جلجامش


في كتابه «انحطاط الغرب» يميّز شبنغلر بين نمطين من البشر يمثـّلان رؤيتين
متناقضتين للإنسان طبيعةًً ودوراً ومصيراً. وهذان النمطان هما: «النمط
الأبوليني والنمط الفاوستي»(11). فالنمط البوليني يعي ذاته كائناً كونياً
ولا مكان في عالمه بالتالي للإرادة أو الصراع ويعتبره شرّاً تنبذه فلسفته.
والفكرة القائلة بأن الحياة الشخصيّة هي مسار تطوّري دائم هي فكرة غريبة
عنه. وهذا النمط يرى الحياة تسير تحت ظل مأساة رازحة تتهدّد حياته الشخصية
بوحشيّة من الخارج «أما الشخصية الفاوستيّة، النقيض، فإنها تعي نفسها كقوة
تغالب العقبات، وتعي حياتها الداخلية مساراً تطوّرياً، أما كوارث الوجود
فتجيء نتيجة حتميّة لخياراتها، أما الصراع فيعتبره الفاوستي جوهر الوجود،
وما يميّزه كذلك هو شوقه إلى المطلق وسعيه نحوه»(12).
إذا احتكمنا لمعايير شبنغلر، التي تخطّ حداً فاصلاً بين نمطين من البشر بل
من الثقافة، يمكن القول إنّ جلجامش هو فاوستي يفارق ثقافته الأبولينية
المشرقية، لكنه يعود ليلتقيها في النهاية بعد أن يتعلـّم بالعذاب أمثولة
التصالح مع واقعه كبشر فانٍ. ويعلن الروح الفاوستي عن حضوره في عزم جلجامش
على غزو جبل حرمون، وقطع خشب الأرز الضروري لبناء المنازل والمعابد على أرض
الرافدين، وقتل حارس الغابة الرامز للشر وتخليد الاسم بمأثرة بطوليّة.
وعبثاً يحاول إله الشمس ووالدة جلجامش ثنيه عن عزمه بإظهار مخاطر الرحلة
غير المسبوقة وما تستدعيه من عناء يفوق طاقة البشر.
هذا الهاجس في تأكيد الذات عبر السيادة على الطبيعة والمخاطرة بالحياة من
أجل انتزاع الحق في السيطرة على ثروات الغير دفع غارودي إلى الافتراض بأن
«الغرب كحالة فكريّة متـّهجة نحو السيطرة على الطبيعة والناس ترقى إلى
الحضارة الأولى المعروفة، تلك التي ظهرت في دلتا دجلة والفرات..، وأنّ مولد
حضارتنا (الغربية) المتميّزة بالسيطرة والنفوذ، تجد تعبيرها الأدبي في
ملحمة جلجامش وقد سبقت الإلياذة بألف وخمسمائة سنة»(13). وهذا يعني أنّ
البعد الفاوستي في شخصية جلجامش يؤسّس لسلـّم القيم البورجوازية الحديثة
التي تحدّد قيمة الإنسان بالعمل والإنجاز، بالنجاح والشهرة، بالمبادرة إلى
الفتح والتوسّع، وبالسيطرة على الطبيعة واستغلال موارد الأرض، بشقّ صدفة
الدنيا وانتزاع اللؤلؤة بحسب التعبير الذي راج في عصر النهضة الأوروبية.
ورغم أن الملحمة تشير إلى جلجامش بوصفه «الناهب» (The Plunderer)، وهي صفة
حسنة بمقياس القيم البطولية السائدة في زمن جلجامش كما في زمن هوميروس،
إلاّ أن البعد الفاوستي الذي يشدّد عليه غارودي هو أضيق من أن يستنفذ شخصية
جلجامش المتعددة الأبعاد. بل إن هذا البعد لا يشكـّل الملمح الأساسي
المميّز للشخصية. ذلك أن الدافع الأساسي الذي يحرّض جلجامش على الانتشار في
المكان وصولاً إلى أرض الأحياء لا يقتصر على الإفادة المادية من أرز جبل
حرمون، وإنما يتعدّاه إلى أسئلة الهدف والمعنى والحرية التي يدقّ بها
جلجامش أبواب الوجود المغلقة.
إن الرحلة الغاب الخطرة التي تسبق رحلة البحث عن الخلود هي المجال أو
المدار الأول الذي يشتقـّه الروح الحبيس بديلاً عن أسر المدينة ـ المكان
وزمنها المكرور. والميزة الأهمّ في جلجامش هي ميزة «القلب القلق» (The
restless heart)، وصاحب «القلب القلق» هو صاحب «الوعي الشقيّ» بإمكانات
وطاقات يضيق بها المكان والمحيط. وبعين «الوعي الشقيّ» ينظر جلجامش إلى
مدينته فيصدم نظره السور العالي الذي يطوّق المدينة. يعلو بصره السور فيرى
النهر يجري جريانه السرمديّ حاملاً جثث الموتى التي تعلن الأجل المحدود
والمصير المحتوم، وخلف النهر «كان الأفق يشكـّل سوراً آخر». بين «السور
والأفق المغلق يجري النهر المثقل بأجساد الموتى يعيش جلجامش الرائي إلى
المشهد الحالة السجنيّة» بحسب تعبير فوكو.
ويُلحّ عليه السؤال عن معنى حياته الملكيّة التي تجري في ممرّ حواسي ضيّق
يحدّه الجسد كما يحدّ السور المدينة، يستنفذ الطاقة الحيّة ثم يسلـّم الجسد
جثـّة تطفو بدورها على صفحة النهر الذي لا عودة منه. إن الحياة في هذا
الإطار كما يعيها صاحب «القلب القلق» هي حياة عبثيّة بالمعنى الوجودي
الحديث للكلمة، وهو البعث الذي يجتهد جلجامش في نفيه كي تستقيم الحياة على
أرض المعنى. وثورة جلجامش على هذا المسار والمصير المقبول من العامّة هي
التي «تجعل منه الفرد الأول في تاريخ الثقافة المستقلّ عن وعي الجماعة
وأقدار الآلهة». إلاّ أنّ ما يميّز نزوع جلجامش إلى التحرّر من أسر المكان
وأسلوب العيش المألوف هو أنّه نزوع مثقل بالالتزام بحاجات الجماعة، والوعي
بضرورة انتزاع الاعتراف بالأهليّة والجدارة، بالشهرة والديمومة منها عبر
العمل من أجلها. هذا يعني أنّ جلجامش يبحث عن معنى لحياته يتعدّى الثروة
والقوة والمتعة التي شكـّلت دوافع فاوست الأساسيّة ليحتضن صبوات الرّوح إلى
ملء الحياة الحواسية، التي يحياها الملك المقدّس بفعل بطولي جليل يجعل من
اسم صاحبه جرساً يقرع في ذاكرة الأجيال. إن جلجامش لا يصبو في أولى مراحل
تساميه إلى الحياة الأبدية وإنما إلى ديمومة معنويّة تستبقي الاسم بعد فناء
الجسد. ويبدو جلجامش في هذه المرحلة التي تقع بين لقائه بأنكيدو وموته
(موت أنكيدو) متصالحاً مع مثال ثقافي جمعي تنزّل من الثقافة السومرية إلى
الإسلام، وهو مثال يجري على لسان جلجامش: «إن الإنسان مهما علا لن يبلغ
السماء طولاً ومهما اتـّسع منكباه لن يغطـّي الأرض عرضاً». والنظير
الإسلامي لهذا المثال يجيء في الآية الكريمة القائلة: (لا تمش في الأرض
مرحاً، إنك لن تثقب الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً). لكن اعتراف جلجامش
بضرورة التناهي يقابله الرغبة في تخطـّيه. إنه في هذه المرحلة من حياته مع
أنكيدو يحاول أن يسمو على الموت بفعل يفجّر إمكانات الذات في الحياة. ويتخذ
هذا التسامي شكل الرحلة إلى غابة الأرز وقتل حارسها الوحش خمبابا، رمز
الشر. أي أن جلجامش يحاول بين ضفـّتي الوجود والعدم، الولادة والموت، أن
يكتب مصيره ويصوغ مشروع عمره، وبلغة سارتر أن يكون مشروع نفسه فلا يحدّ
ذاته سوى منجزاته.
وهذا الثورة على عبثيّة الحياة والموت داخل الأسوار وضمن شرنقة الأفق
المغلق ستتصاعد بشكل دراماتيكي بعد موت أنكيدو (توأمه الروحي) لتغدو ثورة
على عدميّة الموت، يعلنها جلجامش باسم الإنسان الشامل، الإنسان الذي يتقدّم
على الدوام بالعلم والتقنيّة والمعرفة، في الحرب على المرض والشيخوخة
والموت.
إنّ نضال جلجامش ضدّ الموت هو نضال معرفي بالمعنى الشمولي الإنساني وليس
بالمعنى الفاوستي الفرداني. صحيح أن فاوست الجرماني الغربي يكويه جمر الشوق
الحارق إلى المعرفة الكليّة التي تفتح لناظريه مغاليق الأسرار الكونيّة،
لكن الأهداف التي سخـّر فاوست المعرفة لها هي في تحليل الأخير ترفيه الجسد
وتدليل الحواسّ وإشباع غرائز التملـّك على مستوى كمّي ونوعي مترف، وهي
الأهداف التي فارقها جلجامش وخلـّفها وراءه بعد لقائه أنكيدو.
إنّ هدف فاوست لم يكن الارتقاء بالروح الإنساني بل إنه اختار السحر بديلاً
عن العلم، أي أنه اختار التقنيّة دون الحكمة، القوّة دون العدالة. وإذا كان
الكاهن هو العالم الأول فإن الساحر هو التقني الأول، والتقانة هي القوى
المجردة من القيم، المتعالية على الألوهة. وفاوست الطامح لأن يكون على
الأرض كما جوبيتر في السماء يختصر الهدف من المعرفة بتاج إمبراطوري وثراء
مادي وجسد أنثوي زاخر بالمتعة التي يعد بها جمال هيلانة كما خلقتها ريشة
هوميروس في الإلياذة وأغاني المنشدين الجوّالين. وصبوات فاوست العقلية
والجسدية كما مسرحها مارلو البريطاني وغوته الألماني يحدّها حقبة زمنيّة لا
تعدو العقدين،قايض بها فاوست روحه الأبدية مع الشيطان الدنيوي. أما
المعرفة بأسرار الحياة والموت التي توخّاها جلجامش فكانت تهدف إلى تحرير
الإنسان من عبثيّة الحياة وقلق الموت.
إن فاوست يبقى رمزاً مأساوياً للثقافة الغربية (كما أشار غارودي) بقدر ما
يحول العلم والثقافة إلى آليةً سيطرة تعوزها الحكمة، ويعيد رسم خارطة
العالم ليس لإشباع حاجات ساكنيه أو لجَسْر الهوّة بين الآلهة والبشر كما
يفعل جلجامش، وإنما ليجعل من الآخرين عبيداً لشبقه السلطويّ ـ المعرفي.
أضف إلى ذلك كلـّه أن فاوست الذي يجسّم طموحات عصر النهضة إلى التوسّع
والهيمنة والتملـّك، يقايض الديمومة باللحظة والدين بالدنيا والروح بالجسد
في اتجاه معاكس تماماً لمبدأ الديمومة وهاجس الخلود، الذي يشكـّل المثال
الأعلى للثقافتين الأقدم (السومرية ـ البابلية والمصرية) اللتين أعطتا
القيمة العليا لما هو دائم. وتمثـّل جلجامش لهاجس حضارات بلاد ما بين
الرافدين في الديمومة والخلود يجعل منه جمعاً في صيغة المفرد. فجلجامش
يبرّر للإله شمس رحلته إلى غابة الأرز بالحاجة إلى حفر اسمه على لائحة
الخالدين: «لسوف أدخل أرض الأحياء، وأخلد لنفسي هناك اسماً. ففي الأماكن
التي رفعت فيها الأسماء سأرفع اسمي». وهو، خلافاً لفاوست الذي يجسد النزعة
الإلحادية في عصر النهضة الأوروبية، لن يمحو اسم الله ليكتب اسمه، ولن ينفي
الله من الوجود ليؤكد سلطانه المطلق على الكون والكائنات، وإنما سيبني من
خشب الأرز معبداً للآلهة «وفي الأماكن التي لم ترفع فيها الأسماء، سأرفع
اسم الآلهة»، و«أقيم للآلهة نصباً حيث لم يقم نصب بعد». وهذا يعني أن
جلجامش يستبدل ثنائية إله ـ إنسان الفاوستية الحدّية والعدميّة التي ينفي
فيها الإنسان الله، ولا ليتألـّه، وإنما ليرهن روحه للشيطان بجدلـّية بديلة
تنحلّ فيها ثنائية الآلهة الخالدة والبشر الفانين في بشر يخلـّدون أسوة
بالآلهة.
وما كان جلجامش ليقوم برحلة إلى بلاد الأرز «أرض الأحياء» لو لم ينتزع حق
القيام بهذه الرّحلة من إله العدل شمس بالمحاججة المقنعة والدموع الورعة
التي تقبلها منه شمس قرباناً. وهذا يعني أن جدليّة إله ـ إنسان كما تتجلـّى
في الملحمة هي جدليّة تحيي نمطاً ولا تقتل الله، خلافاً لجدليّة
التراجيديا الفاوستيّة التي تقتل الله لتحيي نمطاً وغائبياً من البشر تعوزه
صفة الإنسان. ذلك أنّ فاوست الغربي الذي كتبه مارلو يبقى المثال الأبرز
على شخصية حضارية تخسر نفسها في محاولتها امتلاك العالم، بينما يبقى جلجامش
في تحدّية لرب العاصفة المدمّرة أنليل المعادي للبشر وانحيازه لإله
العدالة شمس الحادب على البشر، «الهابط بنوره من عليائه إلى أرضهم
والمتنقـّل بينهم والمتواضع لهم»، (وهي مآخذ يعيبها عليه أنليل) أقرب
النماذج للعملاق اليوناني بروميثيوس، الذي أغضب زيوس النظير الإغريقي
لأنليل بإفشائه سرّ النار للإنسان كي يتمكـّن من الانتقال من الحالة
البدائية إلى الحضارة فضل النار. ويتأكـّد هذا البعد البروميثي في نهاية
الملحمة. فحين ينجح جلجامش في انتشال نبتة الخلود من أعماق الغمر لا يسارع
إلى أكلها ليضمن خلوده الشخصي وإنما يدخـّرها ليقدّمها للمسنّين والعجزة من
أبناء مدينته الذين تفوق حاجاتهم للنبتة حاجته، وسيأكل هو منها بالطبع
ولكن بعد عودة شيوخ أوروك إلى الصبا. وهذه الغيريّة تؤكد السمة البروميثية
كعنصر تكويني أساسي في شخصيّة جلجامش الإنسانوية. وقد لحظ فراس السوّاح
عنصر التشابه بين جلجامش البطل الآسيوي وبروميثيوس البطل الإغريقي دون أن
يغفل عن الدافع الشمولي والهمّ الفلسفي الذي يميّز جلجامش.
«لقد ناطح بروميثيوس الإغريقي الآلهة ليجلب للبشر سرّ النار، أما جلجامش
فقد قارع الآلهة ليجلب لنا سرّ الحياة ولغز الموت ومغزى العيش في هذا العمر
الضيّق»(14).


ج ـ البعد الفرويدي في
ملحمة جلجامش



في سياق المقارنة بين جلجامش وأنكيدو نلاحظ الاختلاف والتعارض بين نوعين من
الجنس ونمطين من النساء: جنس تثقيفي يترمّز في باغية المعبد التي تستأنس
أنكيدو وتنقـّله بواسطة فنّ الحبّ الذي تتقن من عالم الحيوان لتدخله مدار
النوع الإنساني والحياة المدينية، وجنس تملـّكي شهواني يبدّد الطاقة ويسقط
القيم ويمسخ الإنسان ويترمّز في عشتار التي تنحطّ به الملحمة إلى مستوى
العاهرة، التي تمسخ وتدمّر عشـّاقها وأزواجها، وفي الممارسات التهتكيّة
التي كانت تستغرق جلجامش وتستنزف طاقته الحية قبل لقائه التي تستغرق جلجامش
وتستنزف طاقته الحية قبل لقائه بصديقه أو شقيقه التوأم أنكيدو.
الملحمة إذن تستحضر إشكالية الطاقة الحيّة (Libido) وطرائق استخدامها أو
توظيفها. هذه الإشكالية هي، من وجهة فرويدية إشكالية حضارية بامتياز. ذلك
أن الطاقة الحية التي يختزنها الإنسان هي طاقة محدودة في برنامج تكوينه
البيولوجي. وهذه الطاقة تشبه في محدوديتها غير القابلة للزيادة رصيداً
مالياً ثابتاً ينفق منه البشر كلّ على طريقته. فهناك من ينفق أو يبدّد هذه
الطاقة في إشباع الشهوة متـّبعاً مبدأ اللـّذة، وهذا هو مسلك غالبيّة
البشر؛ وهناك نمط أخر من البشر يفضّل أن يتسامى بالطاقة ويوظـّفها في حقل
الإنتاج أو الإبداع الأدبي والفنّي والعلمي. وهذا التوظيف المنتج للطاقة هو
الذي يثمّر الحضارة، ذلك أن الحضارة هي مجموع ما أنتجته اليد وما أبدعه
العقل من منجزات علميّة تقنيّة وثقافية. أي أن فرويد كان يقسم البشر إلى
فريقين أو نمطين: العامة وهي الأغلبية التي تتسافل بالطاقة وتعيش على مستوى
الجسد، وهذه الغالبية العظمى من البشر هي التي تحتاج إلى دين، ونخبة مثقفة
ومبدعة لها من العلم والفن ما يغنيها عن الدين. ومعيار التقسيم، وهذا هو
الأهم في مقاربتنا، هو طريقة استخدام الطاقة تسافلاً أو تسامياً. واللافت
في مقام الاستهجان هو أن الكثير من الذين قاربوا ملحمة جلجامش بمنهجية
التحليل النفسي الذي أسسه فرويد قد فاتهم اعتماد مفهوم التسامي، مرتكزاً في
تحليل الشخصيات والأحداث الرئيسية في الملحمة ليركـّزوا الضوء على
جنسانيّة مزعومة في العلاقة بين أنكيدو وجلجامش على عقدة أوديب، التي
اصطنعوا وجودها عند جلجامش وأنكيدو زاعمين أنّ «ثور السماء» الذي أرسلته
الآلهة بطلب من عشتار لمعاقبة جلجامش الذي رفض الزواج منها وأذلـّها مع
أنكيدو هو «صورة الأب القادم لقتل الأبناء المنحرفين لكنّه يُقتل على يد
أبنائه».
إنّ استبعاد مفهوم التسامي من المعادلة يخرج التحليل الفرويدي عن موضوعيْ
الملحمة المحوريين: ثنائية طبيعية / ثقافية وفناء / بقاء، ومفتاح فهمها من
وجهة فرويدية هو مفهوم التسامي لما يلعبه هذا المبدأ في تطوّر الإنسان
وصناعة الحضارة. وقد صحـّح الباحث D.Halperin هذا بالإسقاط الفرويدي على
ملحمة جلجامش مبيّناً تأثير هذه الملحمة في الإلياذة، «أن تصوير هوميروس
للعلاقة بين أخيل وباثروكلوس هو امتداد لنمط قصصي مرئي في جلجامش، فالعلاقة
ليست جنسية كما تصوّرها اليونانيون في وقت لاحق»(15).
إن الصدام بين جلجامش وأنكيدو يطلق في وعي جلجامش حوافز التعالي على
الغرائز والحواس، التي كان إشباعها يستنزف طاقة الملك ويزرع الشعور بالقهر
والحيف في قبول أبناء أوروك، رعيّته. وتمثـّل المعركة التي دارت بين
أنكيدو، ممثـّل القيم الجديدة، وجلجامش، الذي يجسّد نظام الامتيازات
القديم، نقطة التحول في وعي جلجامش وأسلوب حياته، فلم يعد ذلك الحيوان
الباحث عن المتعة، كما حدّد فرويد الإنسان حيوان يسعى إلى المتعة (a
pleasure seeking animal)، ولم تعد متعة اللـّحظة العابرة هي المرتجاة،
وإنما باتت الديمومة هي المرتجى. والطريق الذي يشتقـّه جلجامش إلى الديمومة
هو طريق البناء الحضاري للمعبد والمسكن، طريق يمرّ بالضرورة عبر غابة
الأرز القائمة على البعد في «أرض الأحياء» والتي يحرسها الوحش الرهيب
خمبابا الذي يغدو رمزاً للشرّ كونه العقبة التي تحول بين جلجامش ومرتجاه
الحضاري.
وهكذا تتخذ رحلة التسامي بالطاقة الحية (Libido) شكل غزوة مسلـّحة خطرة
لأرز حرمون لا تتعدّى مبدأ اللـّذة وحسب، وإنما تتضمّن كذلك المواجهة بين
الإنسان وما هو أكبر من إنسان، وهي المواجهة المركزية في التراجيديا
الإغريقية خاصّة تلك التي كتبها سوفوكليس وأسخيليوس. ولا يقتصر التسامي
بالطاقة على زجّ الذات في مغامرة الحضارة (وهو التسامي الذي أدّى إلى نشوء
وتطوّر الحضارة، كما لاحظ فرويد)، بل يتخذ التسامي بالطاقة الحية مجالاً
آخر، لحظه فرويد كذلك، هو مجال الصداقة الموصوفة بين جلجامش وأنكيدو والتي
تنحلّ مثنويّتها في صيغة المفرد.
إن جلجامش يولد غداة لقائه بأنكيدو ولادته الثقافية ـ الإنسانية النوعيّة
الثانية، التي تعلن عن نفسها في عزم جلجامش على القيام بالرحلة إلى غابة
الأرز وقطع شجرها. فالرحلة هي وسيلة لتأكيد «طبيعة ثانية غير الطبيعة
البيولوجية». ولو أتيح لفرويد قراءة ملحمة جلجامش كما أتيح له قراءة
مسرحيتي «أوديب» لسوفوكليس و«الكترا» لأسخيليوس اللتين وجد فيهما مثالين
نموذجين للجنسانية الطفولية الهاجسة بقتل الأب من الابن الذكر، والجنسانية
الأنثوية الهاجسة بقتل الأم من الابنة الأنثى، لوجد في ملحمة جلجامش أقدم
المصادر الأدبية المطابقة لمفاهيمه في الصداقة والحضارة.
إن الصداقة كما حدّدها فرويد «هي العلاقة المرغوبة من الجماعة خلافاً
للعلاقة الجنسية المجبوهة بالقمع من الجماعة» (Sexually inhibited
relation)، وحصار المجتمع للرغبة الجنسية يدفع بهذه الرغبة إلى الانزياح عن
سبيل تحقـّقها الأصلي في فراش اللـّذة إلى الصداقة. فتكون الصداقة بالتالي
«حب يحوّله القمع عن هدفه الجنسي الأصلي (an aim-inhibited Love).
فاستبدال الحب الجنسي بالصداقة هو أحد المتطلبات التي تفرضها الجماعة
الهاجسة بالتقدم الحضاري على الغريزة. فالجماعة تثمّن الصداقة من وجهة
ثقافية لأنها توفـّر مهرباً من نقائص الحب الجنسي، واستبعاد الآخرين
(exclusiveness) هي أحدى هذه النقائص على سبيل المثال»(16).
إن جلجامش تمثل أنكيدو في حلمه الليلي أو وعيه الباطني في صورة شهاب يهبط
عليه من السماء. واستناداً إلى حقيقة أن النور كان على الدوام رمز المعرفة
والخير، يمكن القول إن أنكيدو هو الشهاب الذي انفجر كالمعنى في ليل جلجامش
العبثيّ، وحرّك قلبه القلق ليندفع في صبيحة اليوم التاريخي نحو غابة الأرز
مستهدفاً الخشب الضروري لبناء المسكن والسفينة والمعبد والعجلة وسواها على
أرض الرافدين. وفي حلم ليلي ثانٍ يتبدّى أنكيدو لجلجامش على صورة فأس
يعلـّقها إلى جانبه. ونعلم أن السومريين رأوا في الأدوات عامّة والفأس
المعدنية ذات الرأسين خاصة، أدوات خازنة للطاقة الفاعلة. وكانت الفأس هي
أكثر هذه الأدوات فاعليّة في السيطرة على الغاب وحراثة الحقل والبناء
والقتال، وقد نسب السومريّون ابتداع الفأس لرئيس مجلس آلهتهم أنليل.
ومماهاة أنكيدو بالفأس المعلـّق إلى جنب صاحبه، تعني أن جلجامش قد وجد
لنفسه صديقاً يشد أزره في الصراع ضد قوى الشر المعترضة على مشروعه الحضاري
مجسّدة بخمبابا حارس كبير الآلهة، الذي يشبه بأنفاسه النارية التنين
الأسطوري الذي يصرعه القدّيس على الشاطئ السوري القديم. وهكذا تكون مماهاة
أنكيدو بالفأس ترجمة محسوسة للوعي بأهمية وفاعلية الصديق في الرحلة
الحضارية الخطرة.
ولعلّ أخر المطابقات المدهشة بين ملحمة جلجامش وتفسير الأحلام الفرويدي هو
حلم أنكيدو الراقد على فراش الموت، والذي يرى فيه «رجالاً عليهم أجنحة من
ريش بدل الملابس، ويتخذون شكل الطيور المعقوفة المناقير التي ترمز للموت»،
كما يقول فرويد في كتابه تفسير الأحلام(17).

دـ
صورة المرأة في ملحمة جلجامش


المرأة، كما يلحظ فرويد، هي التي أسّست للحضارة وهي صاحبة المصلحة في
استئناس الرجل، وهي جامعة وخازنة البذور وزارعة الحقول الأولى، وهي
المعنيّة بتحويل مسار حياة الرّجل عن تجوال الصيد إلى الاستقرار على أرض
زراعية منتظمة تمكن الرجل من مساعدة المرأة في رعاية الأطفال وبناء الأسرة.
واللافت أن ملحمة جلجامش ترمز لدور المرأة الحضاري الريادي باستئناس باغية
المعبد لأنكيدو بواسطة الفعل الجنسي الذي تواصل سبعة أيام، وهو الزمن الذي
تستغرقه ولادة أنكيدو الثانية على صورة كائن اجتماعي سويّ و بهويّة
إنسانية. وهذه الولادة الاجتماعية الجديدة تترمّز في الملحمة بقيام الباغية
بشقّ ثوبها إلى نصفين: نصف يكسو جسدها ونصف أخر يكسو جسد أنكيدو الذي كان
وحشياً في عريّة فتأنسن في طقسين: «طقس الإدخال الجنسي» و«طقس الإلباس»
الذي به يبدأ تطبيع المجتمع للطفل كما يعلـّمنا دوركهايم.
واللافت كذلك في العلاقة بين المرأة وأنكيدو هو أن الحكمة تدخل قلب أنكيدو
بعدما تفقده الممارسة الجنسية قدرته الجسدية على مجاراة الحيوانات في
الجري. «لماذا تريد معاودة الجري من الحيوانات بعد أن دخلت الحكمة
قلبك؟»(18) تسأله الباغية. والسؤال هو إشارة إلى مسار حضاري معارض للطبيعة
يبدأ بولادة الحكمة أو الذكاء.
فالحكمة أو القيم الإنسانية وأساسها العدل الذي ينقله أنكيدو إلى جلجامش
مصدره المرأة التي تؤنسن أنكيدو الذي يؤنسن بدوره جلجامش، ويجعل منه كائناً
نوعياً يشتعل وعيه بالأسئلة عن معنى الحياة والهدف من الوجود فيها يتعدّى
اللحظة الحسيّة. ولا يرقى شك إلى حقيقة أن ملحمة جلجامش ترفع صوت الجماعة
الهاجسة بالتقدم الحضاري على صوت الغريزة الموغلة في المتعة، وتجعل من
الصداقة التي ترفـّعت فيها العاطفة الجنسية مصدر متعة بديلة للجنس مَرضيّة
من الجماعة. وهذا ما تنطلق به كلمات جلجامش حيث يقول في سياق حكاية حلمه
لأمه (الآلهة ننسون): «إنه أحب صديقه الذي ظهر له في الحلم كما يحب
امرأة»(19).
وجلجامش الجديد المتسامي بالطاقة هو الذي يرفض عرض الزواج الذي عرضته عليه
عشتار بعد انتصاره على وحش الغابة والعودة بخشب الأرز إلى أرض الرافدين.
فالزواج من عشتار، ربّة الحب والحرب، كان يمكن أن ينكص به إلى مرحلة
البدايات الغرائزية التي تخطـّاها مع أنكيدو. فجلجامش الذي خرج من غابة
الحواسّ ليقتل وحش الغابة لن يراجع مساره الحضاري ليحيي مجدّداً الوحش الذي
قتل. إنّ عشتار هي النموذج الجنسي المضادّ لباغية المعبد. فبينما تنقل
باغية المعبد أنكيدو من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان تقوم عشتار بدور
معاكس، إذ إنها تمسخ جميع عشـّاقها وأزواجها إلى حيوانات. فباغية المعبد هي
مثال النظام الكوني والاجتماعي المقدّس عند شعوب العراق القديم، بينما
عشتار هي مبدأ الفوضى ودمار النظام وخطر الموت المتربّص بالأحياء. وليست
النعوت القبيحة التي أذلّ بها جلجامش عشتار «كما لم يذلّ إنسان إلهة من
قبل» سوى دليل الإصرار على متابعة المصار الحضاري إلى مداه الأخير. فهو لن
يتزوّج ربّه لا تعرف الإخلاص لزوج أو حبيب، امرأة جعلت من جسدها «بيتاً بلا
باب» مفتوحاً لعبث الرياح، وهو الذي غدا راعي المدينة والجماعة، لن يتزوج
ربّة الجنس التملـّكي التي تحيل الرجال إلى أدوات لإشباع اللـّذة ثم
تدمّرهم. فجلجامش يتـّهم عشتار بأنّها:
«تضرب راعي القطيع
تمسخه إلى ذئب
يلاحقه أبناء جلدته؟
وتعضّ كلابه ساقيه
»(20).
لقد اجتاز جلجامش، بفضل أنكيدو، المسافة الفاصلة بين الملك الذئب والراعي
الصالح، ولن يعود لهدر الطاقة في حفل الظمأ الجنسي ـ الأنثوي. لقد اختار
جلجامش ربّ العدالة الذكري «شمس» ممّا أثار غضب عشتار الجامح. فهل نذهب
بعيداً إذا افترضنا أن سخط عشتارعلى تسامي جلجامش ومشروعة الحضاري ينذر بما
سيلحظه فرويد في كتابه «قلق في الحضارة» بسخط نساء العصر على الحضارة التي
وضعن أسسها في الأصل بعد «أن باتت هذه الحضارة تتطلـّب من الرّجال عملاً
مجهداً يستنفذ طاقاتهم حتى أخر رمق، بحيث لا يبقى منها ما يشبع حاجة المرأة
إلى الجنس وهي العاجزة عن التسامي كما الرجل»(21).
في كل حال يعطي الإنجاز الحضاري بطل الملحمة السومرية الشعور بالرضى عن
الفعل الأخلاقي الذي تثمّنه الجماعة. وبلغة فرويد «يصبح التسامي بالغريزة
ملمحاً بارزاً يميّز التطور الثقافي. وهذا التسامي هو الذي يمكـّن الأنشطة
النفسيّة والعمليّة والفنيّة والعقائدية من لعب دور بهذه الأهمية في الحياة
الحضارية»(22).
وبالعودة إلى الملحمة، نجد أن الإله شمس يتدخّل للدفاع عن المرأة ممثّلة
بباغية المعبد حين يلعنها أنكيدو من على فراش الموت. وإله العدالة يبني
دفاعه عن الباغية على قاعدتين: الأولى أنها أدخلت أنكيدو في تجربة الحضارة،
والثانية أنها جعلت من جلجامش العظيم صديقاً له. وهكذا تصالحنا ملحمة
جلجامش مع الحضارة كما يفعل فرويد في النهاية. فالعودة إلى البدائيّة محال
رغم ما جاءت به الحضارة من ممنوعات ومكبوتات وضغوط ومتطلـّبات تجعل السعادة
تبدو وكأنها «لا تدخل في برنامج الخلق».
إنّ الحضارة، وهي مجموع الإنجازات التي حقـّقها العقل واليد، هي محصّلة هذا
التسامي الذي تفرضه الجماعة على الغريزة، كما يقول فرويد.
فقانون اقتصاديّات الطاقة الحيّة الفرويدي (Economics of The Libido) ينصّ
على أن طاقة الإنسان البيو ـ نفسيّة محدودة وغير قابلة للزيادة. وبالتالي
«فإن الحضارة ما كانت لتوجد لو لم يوظـّف الإنسان المدّخرات التي يقتطعها
من النساء والحياة في أهداف ثقافية»(23).



الهوامش
ـــــ
(1) فراس السوّاح، م.م. : 249.
(2) م. ن. : 244.
(3) فراس السوّاح، م.م. : 310.
(4) فراس السوّاح، م.م. : 199.
(5) م. ن. : 200.
(6) G.W. Hegel, Philosophy of History (N.Y: Dover Publication, 1957)
p.24.
(7) وصل آدابا إلى السماء، لكنـّه رفض الأكل من الطعام الذي قدمّته الآلهة،
فأعادته الآلهة إلى الأرض ليشارك البشر مصير الفناء.
(Cool تحكي «أسطورة إينانا» عن الملك الثاني عشر من ملوك ما بعد الطوفان
السومريين، وهو الملقـّب بالراعي الذي حاول أن يرقى إلى السماء على أجنحة
النسر، لكنـّه يسقط مع النسر إلى الأرض حين ينتابه الشعور بالخوف والقلق
(المعتقدات الدينية لدى الشعوب، سلسلة عالم المعرفة، 1993م : 25).
(9) وتحكي أسطورة «أرض دلمون والعصر الذهبي» عن زمن كان يعيش فيه الإنسان
على أرض الفردوس سيّداً على نفسه والطبيعة قبل هبوطه إلى الدنيا. وتحكي
الأسطورة عن «زمن تعيش فيه الكائنات في سلام ولا يعرف فيه الإنسان مرض أو
شيخوخة».
(10) جفري بارندر، المعتقدات الدينية لدى الشعوب : 23.
(11) O.Spengler, Decline of the West (N.Y, 1939).
(12) Ruth Benedict, Patterns of culture (U.S.A: The Riverside Press,
1934), p.p.54-55.
(13) روجية غارودي : 18-20.
(14) فراس السوّاح، م.م : 12-13.
(15) David Halperin, Heroes and Their pals (New York: Routledge, 1990).
(16) S.Freud, The Interpretation of Dreams (London: pelican Books,
1976), P.313.
(17) Sigmund Freud, op. cit.,P…
(18) فراس السوّاح، م.م : 297.
(19) فراس السوّاح، م.م : 122.
(20) فراس السوّاح، م.م : 166.
(21) Sigmund Freud, Civilization & its discontents (New York and
London: Norton and Co., 1961), P.51.
(22) Ibid.,
(23) Ibid., P. 59.

المصدر: الجذور الشرقية للثقافة اليونانية، دار الآداب ـ بيروت ـ لبنان،
الطبعة الأولى عام 2007م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سفير الحب
مشرف
مشرف
سفير الحب


 تاريخ العراق  Jb12915568671
الثور
عدد المساهمات : 323
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالب

 تاريخ العراق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق     تاريخ العراق  Emptyالإثنين ديسمبر 27, 2010 9:30 am

من اطلق النار على العائلة المالكة؟


عَبدالستار العبوسي ضابط صغير برتبة رائد حين قامت
ثورة 14 تموز 1958 وليلتها كان ضابطا خفرا في معسكر الوشاش الكائن في متنزة
الزوراء حاليا ومجاور الى قصر الرحاب الملكي، ولم يكن من الضباط الاحرار
(كما كانوا يسمون بذلك) ولا علم له بالثورة، وعندما بدأ عبدالسلام عارف
باذاعة البيان رقم (1) للثورة تحمس عبدالستار وجنوده وتوجهوا الى قصر
الرحاب للمساهمة بالثورة وقبل دخولهم الى القصر اطلق الرصاص، وكان عددهم
قليلا، وعندما رآهم العقيد طه البامرني طلب من الامير عبدالاله ابن علي خال
الملك فيصل الثاني والوصي على العرش سابقا

ان يقوم باطلاق الرصاص عليهم والتخلص منهم (وكان العقيد طه امراً لسرية
الحرس الملكي) الا ان عبدالاله رفض ذلك بشدة قائلا لن اسمح للجندي العراقي
ان يقتل اخاه العراقي من اجلنا هم جاؤا بنا من الحجاز واذا كانوا الآن لا
يريدوننا نرجع من حيث اتينا وتم الاتفاق بين البامرني والعبوسي على ان تنزل
العائلة المالكة من الطابق الاول رافعة الراية البيضاء فنزلت العائلة
المالكة تتقدمها الملكة نفيسة ام عبدالاله زوجة الامير علي ابن الحسين
رافعة الراية البيضاء وخلفها عبدالاله والملك فيصل الثاني وبقية العائلة
وفي لحظة لا شعورية حين رآهم عبدالستار امامه اطلق النار عليهم فقتل
عبدالاله في الحال اما الملك فيصل فلم تفارقه الحياة الا ليلاً في
المستشفى.
ومن المفارقات القدرية ان عبدالاله وعند نزولهم ومعهم زوجته الهام بنت امير
ربيعة شاهدها بملابس النوم فاستكثر ذلك وهم في هذه اللحظات وطلب منها
الرجوع ولبس ما يغطي جسدها وقبل عودتها تم اطلاق النار على الاخرين ونجت هي
باعجوبة.
بعد اشهر قليلة من الثورة بدأت صحة عبدالستار العبوسي بالتردي وبدأ يهزل
ويصغر وجهه وحين يسأله زملاؤه واصدقاؤه عن سبب ذلك يقول لهم انه لا ينام
فبمجرد ان يأتيه النوم ويغمض جفنيه سرعان ما يفزع مرعوبا بعد ان تأتيه
الملكة عالية زوجة الملك غازي وام الملك فيصل الثاني وتقول له لماذا قتلت
ولدي اليتيم فيصل الثاني وماذا عمل لك حتى تفعل به هذه الفعلة؟ وبعد ان
يهدأ لحظات ويعاود النوم يأتيه الملك فيصل الثاني بطيف آخر ويفزعه ويقول له
لماذا عملت في ذلك وماهي جريمتي حتى تقتلني وانا البريء؟
وبقى عبدالستار على هذه الحال والمنوال وقدصار فريسة للاحلام المرعبة
وتانيب الضمير الى ان قرر ان يفارق الحياة ومات في محافظة البصرة وهو برتبة
عقيد في العام 1968 وقد تم تشييعه رسميا وعسكريا ليلاقي ربه، بما ارتكب من
جريمة شنعاء بحق الاسرة المالكة في العراق.


عن جريدة المدى
(ثقافة شعبية)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سفير الحب
مشرف
مشرف
سفير الحب


 تاريخ العراق  Jb12915568671
الثور
عدد المساهمات : 323
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالب

 تاريخ العراق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق     تاريخ العراق  Emptyالإثنين ديسمبر 27, 2010 9:31 am

متى استخدم العراقيون النقود ؟


أ.د. ناهض القيسي
جريدة المدى / ثقافة شعبية


النقودُ
التي اصبحت اليوم اكسير الحياة، ولا تسير الامور بدونها.. كيف ظهرت وكيف
تطورت ووصلت على ما عليه اليوم؟.. عاش الانسان القديم لحقب طوال وهو يتخذ
الكهوف والمغاور سكنى له، ويجمع قوت يومه ويصطاد الحيوانات ويقطف ثمار
الأشجار بدون ان يدفع ثمنا، استمرت الحياة هكذا لآلاف السنين، الى ان حلّ
الزحف الجليدي الأخير الذي يعرف بعصر (البلايستوسين) حيث غطت الثلوج معظم
مرتفعات العالم، لذلك اضطر الانسان الى ترك تلك الكهوف والبحث عن أماكن
أكثر دفئاً، فكانت ضفاف الأشجار هي الأماكن المناسبة له، فأنشأ المستوطنات
الأولى ودجن الحيوان وعرف الزراعة.. كان ذلك منذ عشرين ألف سنة من الآن..

وفي هذه المستوطنات البدائية عرف الانسان أولى العمليات الاقتصادية فكانت
المقايضة حاجة بحاجة فالذي لديه حبوب فائضة وهو بحاجة الى الجلود مثلاً
عليه ان يأخذ حبوبه الى سوق المستوطن للبحث عن طرف آخر لديه جلود وهو بحاجة
للحبوب وتتم الصفقة بينهما، وقد يحدث بعض الاحيان ان الذي لديه جلود لا
يرغب بالحبوب بل بحاجة الى السمن مثلاً، عندها يبدأ البحث عن طرف ثالث يكون
لديه السمن وهو بحاجة الى الحبوب أو الجلود لتتم الصفقة.. هذه الصعوبات
وغيرها دفعت بالانسان الى الانتقال من المقايضة الى السلعة الوسيطة، وهي
تحديد سلعة محددة تكون قابلة للتبادل مع كل البضائع وكانت في العراق القديم
الحبوب (الشعير) والمعادن (الفضة) هي السلعة الوسيطة وقد كشفت ذلك الشرائع
والقوانين العراقية القديمة مثل شريعة اورنمو أو شريعة لبت عشتار أو قانون
ايشنونا أو قانون حمورابي، حيث ورد في العديد من نصوص تلك الشرائع
والقوانين الى ذكر الحبوب والفضة. وقد أختلفت السلعة الوسيطة من بلد لآخر
ففي مصر القديمة كان حيوان الثور والسلاح سلع وسيطة وفي الصين كان المحار..
وفي الجزيرة العربية كان الجمل وما زال سلعة وسيطة فتحد ديّة القتيل بعدد
من الجمال، كذلك صداق العروس بعدد من الجمال. وفي المجتمع العراقي القديم
فضلوا التعامل بالمعادن (الفضة) على التعامل بالحبوب للصعوبات التي رافقت
التعامل بالحبوب من حاجتهم الى أماكن واسعة، وجرار لحفظها ووسائط نقل
لنقلها.. وحفظها من عوامل الطبيعة لذلك ازداد الاهتمام بالفضة وظهر
(الشيقل) وهو وحدة وزن من العصر السومري والأكدي والبابلي والآشوري وفي
العصر الآشوري الحديث أمر الملك الآشوري سنحاريب (705 ـ 681 قبل الميلاد)
أمر بصنع قوالب للشيقل ونصف الشيقل. ومن ذلك الوقت نستطيع القول ان النقود
قد ظهرت أي ما يقرب من 2700 سنة من الآن.. هذا الابتكار الاشوري (العراق
القديم) يضاف الى ابتكارات العراقيين القدامى وما قدموه للانسانية من معرفة
الكتابة وتدوين الملاحم، والتعدين، والتقدم الطبي، واكتشاف أول بطارية
بالعالم ونستطيع ان نضيف لهم اكتشاف النقود أول مرة بالعالم.. هذا الاكتشاف
للنقود انتقل من الآشوريين الى الليديين بلاد الاناضول (تركيا الحالية)،
وقد طوّر الليديون هذا الاكتشاف عندما صنعوا نقودهم من معدن (الالكتروم)
وهي سبيكة من الذهب والفضة وجدت في الطبيعة. ونقشوا على نقودهم الأولى (رأس
الأسد فاتح فمه).. وفي السك الثاني نقشوا (رأس الأسد يقابل رأس الثور)، لا
ينكر أحد ما بذله الليديون بصناعة النقود لكن يبقى الاكتشاف آشوري والمهم
هو الاكتشاف.. أما التطور فهو تحصيل حاصل، وعن الليديين انتقلت صناعة
النقود الى بقية أرجاء المعمورة.. أما عن طريق التجارة أو عن طريق الحروب
كما حدث في بلاد فارس عندما تحاربوا مع الليديين ونقلوا عنهم صناعة النقود.
وقد اتخذت كل دولة أو مدينة كبيرة شعاراً معيناً نقشته على نقودها.
لقد عرف العرب النقود قبل الاسلام عن طريق التجارة وحتى ان الرسول الكريم
محمد (صلى الله عليه وسلم) عمل بالتجارة قبل نزول الوحي عليه، عندما تاجر
لحساب السيدة خديجة (عليها السلام) وعرف النقود التي كانت متداولة حينذاك
وهي الدنانير الذهبية البيزنطية والنقود الفضية الساسانية، اضافة الى
النقود الفضية اليمانية حيث كانت أسواق العرب قبل الاسلام مثل سوق عكاظ
وسوق نجران وغيرها من الأسواق يتداولون فيه جميع تلك النقود، وقد ورد اسم
الدينار والدرهم في اشعار العرب قبل الاسلام وفي صدر الاسلام ومن هؤلاء
الشعراء المكعبر الضبي، أحيحة بن الحلاج، وعنترة العبسي، وعمرو بن تبع
وغيرهم.
وقد ذكر المكعبر الضبي:

كأن دنانيراً على
قسماتهم
وان كان قد شغف الوجوه لقاء
وقول الشاعر أحيحة بن الحلاج:
فما هبرزي من دنانير ايلة
بأيدي الوشاة ناصع يتآكل
وقول الشاعر عنترة العبسي:
ولقد شربت من المدامة بعد ما
ركد الهواجر بالمشوف المعلم
ويريد بقوله المشوف المعلم هو الدينار.


أما قول الشاعر عمرو بن تبع:

فضلنا الناس كلهم
جميعاً
كفضل الهبرزي على اللجين


والهبرزي هنا الدينار الذهبي، واللجين هي الدرهم الفضي. وفي الاسلام ورد
ذكر الدينار والدرهم بالقرآن الكريم.. ففي سورة آل عمران الآية 75: بسم
الله الرحمن الرحيم.. (ومنهم من ان تأمنه بدينار لا يؤديه اليك..) صدق الله
العظيم. وبالنسبة لذكر الدرهم فقد ورد في سورة يوسف الآية 20: بسم الله
الرحمن الرحيم: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة). كما ورد ذكر الدنانير
الدراهم في الأحاديث النبوية الشريفة ومنها قول الرسول (صلى الله عليه
وسلم): ( ان هذا الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم ولا أراهما إلا
مهلكيكم.) وفي حديث آخر قال (صلى الله عليه وسلم): (تعس عبد الدينار وعبد
الدرهم الذي انما همه دينار أو درهم يصيبه فيأخذه.)
مما تقدم نجد ان الاسلام الحنيف قد ذكر الدينار والدرهم ويبدو ان الرسول
الكريم كان قد أقرهما في التداول في صدر الاسلام وحدد بقدر معلوم في الزكاة
والجزية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سفير الحب
مشرف
مشرف
سفير الحب


 تاريخ العراق  Jb12915568671
الثور
عدد المساهمات : 323
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالب

 تاريخ العراق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق     تاريخ العراق  Emptyالإثنين ديسمبر 27, 2010 9:33 am

من ملفات القضاء
العراقي .. قتل نوري السعيد وطه الهاشمي



في العام 1977 نشر الباحث والمؤرخ عبد الجبار العمر عددا من
الموضوعات التاريخية اطلق عليها اسم ملفات من تاريخ العراق الحديث .. ذاكرة
عراقية تعيد نشر احدى هذه الملفات التي تتعلق بقضية اغتيال نوري السعيد
وطه الهاشمي

لعل نوري السعيد كان منهمكا في متابعة محاكمة حكمت سليمان واصحابه امام
المجلس العرفي العسكري برئاسة العقيد عبد العزيز ياملكي وهو في بيته مساء
اليوم الثامن من آذار عام 1939 عندما لمح اشباحا افترشت الارض الزراعية
بالقرب من الكرنتينة عن اراضي الصرافية ومحلة الوزيرية بين دار الجماهير
ومقبرة الانكليز التي كانت موجودة حينها .
ويومها ايضا كان ذهن نوري السعيد مشغولا بتنفيذ خطة تفضي الى القضاء على
سليمان وصحبه قضاءً مبرماًَ بحيث لاتقوم لهم قائمة .

وإلحاق الملك غازي بهم ولياخذ بثار صديقه وصهره جعفر العسكري وليأمن من
نزوات الملك والاعيب حكمة سليمان التي قد تؤدي الى ايقاعه بحبال الانقلاب
العسكري الآخر.. والاهم من ذلك لتضع بريطانيا حدا لرغبة الملك غازي الملحّة
لاحتلال الكويت وكان الملك قد اصدر اوامره الصريحة قبلها بأسابيع الى امر
اركان الجيش الفريق حسين فوزي ومتصرف لواء البصرة علي محمود الشيخ علي بهذا
الصدد. غير ان وكيل رئيس الوزراء ناجي شوكت اعتذر له عن تنفيذ الاوامر
بغياب رئيس الوزراء نوري السعيد في لندن للاضطلاع بمهمة خطيرة تتصل بالقضية
الفلسطينية . ويبدو ان رئيس الوزراء قد حصل على موافقة الجهات البريطانية
في القضاء على الملك في اواخر شباط عام 1939 فقطع مهمته على خطورتها وعاد
من فوره الى بغداد وقد بدا عمله حال الوصول وفي ليلة اليوم الاول من آذار
أعلن الاحكام العرفية في بغداد وما حولها وساق المتهمين الى الهيئات
التحقيقية بتهم اختلط بها الحق بالباطل واحكم الحبل حول رقبة الملك
استعدادا لسحبه بعد ان ينفض يده من رجال الانقلاب وبدأت المحكمة العسكرية
عملها في محاكمة المتهمين الذين اخذ عددهم يزداد ساعة بعد ساعة فكان لابد
من ان يقلقه وجود شخصين في ظلام الليل الدامس على مقربة منه ومن بيته الذي
تشغله في الوقت الحاضر اكاديمية الفنون الجميلة الذي كان يواجه الخلاء
الموحش في الايام الخالية وهو في ظروفه الاعتيادية الذي تحدثنا عنها .
كانت الجادة المواجهة لبيته قد خلت من السابلة منذ غياب الشمس ومع ان
الساعة لم تتجاوز السابعة بدقائق الا ان البرد اخذ يشتد في تلك الليلة
الربيعية بشكل غير مألوف فماذا يبغي هذان الرجلان تحت ستار الظلام ؟.
ولكي يقطع الشك باليقين ارسل في طلبهما احد الحراس وكان برتبة ضابط صف وبعد
قليل كان الرجلان في مواجهته فسألهما احد الحاضرين وقد ارتاب بأمرهما:

-لماذا انتما هنا وفي هذه الساعة؟
-اجابه احد الرجلين
-جئنا لنشم القليل من الهوا ء
- اهذا وقت لشم
الهواء ؟ هل ارسلكما احد للكيد من الباشا

- وكانت آثار السكر تبدو على احدهما اما الآخر فكان في وضع اعتيادي
وعندما حاولا التنصل من التهمة التي تضمنها السؤال الاخير اخذ ضابط الصف
الذي اقتادهما بتفتيشهما فوجد مسدساً مع محمد بن مصطفى اما الشخص الثاني
واسمه جميل ابن عبد الله فلم يعثر معه على شيء .
وعند ذلك دخلت القضية في طور آخر فاستبقوهما في المنزل ريثما يتصلون
بالشرطة حيث وصلت مفرزة اقتادتهما الى مركز السراي.
في التحقيق الابتدائي ظهر ان محمد بن مصطفى تونسي الاصل ويتمتع بالحماية
الفرنسية غادر بلاده خلال الحرب العالمية الاولى مع الجيش الفرنسي واثر
بقائه في العراق بعد الحرب تزوج في الموصل وخدم في سلك الشرطة العراقية نحو
عشر سنوات وبعدها اشتغل في التحقيقات الجنائية ما يقرب من ثلاثة اشهر لكنه
في النهاية فضل العمل الحر ففتح مطعما لمدة من الزمن والتحق بشركة الكيارة
فاشتغل غسالاً للملابس وكواء فيها . وقد استقر به المقام في بغداد قبل
سنتين من احداث هذه القضية حيث اخذ يعمل في غسل الملابس وكيّها لمنتسبي
القوة الجوية العراقية ولحسابه الخاص وذكر انه قد حصل على راتب شهري مقداره
ثمانية عشر ديناراً وهو متزوج من قريبة رفيقه المتهم الثاني جميل بن عبد
الله وأنجب منها خمس فتيات وثمة نقطة مهمة في هذه المعلومة اضافة الى ضبط
مسدس كان يحمل رقم 644590 معه هي انه سكن الموصل مدة من الزمن .
اما رفيقه جميل عبد الله فهو كردي من اهالي مدينة وان في تركيا هاجر الى
العراق اثناء الحرب العالمية الاولى وسكن في الموصل هو ايضا ووصف نفسه بانه
تربى في بيت نوري القاضي رئيس ديوان التدوين القانوني ببغداد وفي نفس
الوقت يشتغل فراشا في وزارة العدل وهو يسكن مع محمد مصطفى في دار واحدة .
وكان اول اجراء قامت به الشرطة انها عمدت الى الكشف عن مكان جلوسهما قرب
الساقية واجراء التحري في منزلهما.
اما في مكان جلوسهما فقد عثرت هيئة الكشف على قشور برتقال ليس غيرها او هذا
ما دونته في محضر الكشف ولولا الظلام الدامس وكون اوراق الخس لاتختلف في
خضرتها عن حشائش الربيع لوجدوا بعضاً منها متناثراً في العشب وكذلك لم
يعثروا على زجاجة العرق التي افرغ محمد بن مصطفى محتوياتها في جوفه.
ويقع المنزل الذي يسكنان فيه في محلة البارودية ويعود بالاصل الى شامل
الباشا الداغستاني وهو بيت واسع يتألف من طابقين يحتوي كل طابق منهما على
ست غرف ويحل المتهمان في اثنين منهما مع عشر عوائل اخرىفعندما دهمت الشرطة
المنزل وغرفة محمد بن مصطفى وجدت زوجته حنيفة في المخاض فسجلت في جدول
القضايا اليومية (ذهبت الشرطة مع المفوض ابراهيم واجرى التحري وفقا للاصول
بدار المتهمين باذن من المحاكم ولم يعثروا على شيء وان زوجته كانت حبلى
وعلى وشك الولادة فقد اجل التحري لصباح الغد.)
لقد اشتدت الشبهة ضد المتهمين للظروف الخاصة التي مر بها نوري السعيد ولضبط
مسدس مع عتاده مع احد المتهمين وكونهما من سكنة الموصل سابقا فقد ربط نوري
السعيد بين هذا السكن ووجودعلاقة لها بال توحلة الموصليين الذين كانوا من
اقطاب عهد بكر صدقي ومن ذوي السوابق في الاغتيالات السياسية .
فوجه المحقق في شرطة السراي سؤاله الى محمد بن مصطفى .
- اين قبض عليك ؟.
- فقال ..
- خرجت –اليوم – بعد المغرب من داري في البارودية ومعي جميل عبد الله
فذهبنا الى الميدان وقد اشتريت من هناك ربع عرق وشيئا من البرتقال والخس ثم
رجعنا الى باب المعظم ومن هناك ركبنا باصا الى الاعظمية ولكننا نزلنا قرب
البلاط الملكي فاتخذنا طريقا جانبيا يؤدي الى الوزيرية وعلى بعد من قصورها
جلسنا نحتسي الخمرة في الارض وبعد برهة جاءنا جندي واقتادنا الى احد القصور
وفي القصر علمنا انه بيت نوري السعيد وفيه جرى تفتيشنا وعثروا معي على
المسدس – واشار اليه –
- كم امضيت في بغداد ؟
-سنتين
-الا تعرف بيت رئيس الوزراء ؟
-لا والله لا اعرفه .
-من اعطاك هذا المسدس ؟
- انه معي منذ عشر سنوات.
- باعتبارك شرطي
سابق وتعرف القانون فلماذا تحمل المسدس من دون اجازة ؟
.
- ليس معي النقود فأتمكن من الحصول على الاجازة.
-
لماذا ركبت الى الاعظمية ونزلت بالقرب من البلاط الملكي ؟.

- هكذا جرى نصيبنا نزلنا من السيارة للنزهة ولنرجع الى البيت سريعاً.
- مادمت تريد النزهة في برد الشتاء وظلام الليل
فلماذا لم تذهب الى الاعظمية كي تتنزه في البرد ؟.

- هذا ما كتبه الله علي .
- على اية حال انك
لم تكن سكرانا الى الحد الذي تتنزه فيه في البرد والظلام.. أليس كذلك؟

- كنت قد شربت نصف البطل من العرق قبل قليل .
-
هل انت مدمن على العرق ؟

- لست مدمنا وانما اشرب في الاسبوع مرتين وقراري من النصف الى ثلاثة
ارباع القنينة في كل مرة .. وحسب الصدفة .
- كم
واردك الشهري تقريبا ؟.

- ثمانية عشر دينارا تقريبا وأعيل خمس بنات اضافة الى امهم
- ما علاقتك بجميل عبد الله ؟
- انه من اقارب زوجتي حنفية ويسكن معي في دار واحدة .
- لماذا صحبك الى قرب دار نوري السعيد ؟
- يبدو ان زوجتي هي التي اوصته بصحبتي ليرجعني الى البيت بأسرع وقت.
- على كل حال حصلت الشبهة ضدك بأن أحداً اغواك
بالذهاب الى دار نوري السعيد مسلحا فهل لك بان تخبرنا بالحقيقة فيما اذا قد
كلفك احد بذلك ؟.

- والله لم يكلفني احد ولو حصل ذلك لأخبرتكم .
-
هل لك اقارب بين ضباط الجيش العراقي؟

- ليس لي اقارب بين الضباط ولكني اعرف ضباط القوة الجوية وهم بدورهم
يعرفونني واسلم عليهم واعتبرهم اصدقائي ولاشيء غير ذلك.
- هل تعرف نوري باشا شخصياً؟
- لا اعرفه.
- ليس من المعقول ان لايعرف شخص
خدم في سلك الشرطة العراقية منذ عشر سنوات شخصية نوري السعيد ؟

- لم أره رؤية العين ولكنني سمعت عنه الكثير .
-
مهما يكن فالذي نعتقده بان هذا المسدس لايعود لك فكيف حصلت عليه ؟.

- لقد اشتريته منذ خمس عشرة سنة
- هل هناك
من يعرف عائدية هذا المسدس لك ؟.

- لا.
- حتى زوجتك ؟
- نعم حتى زوجتي لاتعرف ذلك .
- انك تسكن مع
زوجتك وبناتك في غرفة واحدة من دار شامل الداغستاني وهذه الغرفة بمثابة كل
بيتك فكيف لاتعرف زوجتك التي تسكن معك في نفس الغرفة انك تملك مسدسا منذ
خمس عشرة سنة؟.

- انها لاتدري لاني لم اكن احمله
- يظهر من
افادتك ان هذا المسدس لايعود لك فلماذا لاتقول الحقيقة ؟

- انه لي .
- ألم تتواجه مع احد من معارفك من
اهالي الموصل في بغداد ؟

- لا.
- اذا جئنا بزوجتك وشهدت عن المسدس على
خلاف ما افدت به فماذا تقول؟

- استجوبوها كما تريدون .
- لقد وجدنا في
وأوراقك اسماء ضباط وجنود من القوة الجوية فما الغرض من وجود هذه الاسماء
لديك؟

- انها اسماء المشاركين لدي في غسل الملابس .
-
ووجدنا عندك قطعة حشيش ايضا ؟

- انا لااتعاطى الحشيش وقد اشتريتها لاحد الاشخاص .
- هل تقرأ وتكتب؟
- انا امي
- الديك كلام اخر؟
- لا
ولم تختلف افادة جميل عبد الله امام الشرطة عن افادة محمد بن مصطفى سوى انه
اعلن لهم انه لايعلم عن المسدس الذي يحمله محمد بن مصطفى شيئا وانه يتجنب
الخمرة ولم يرافقه الا بعد إلحاح زوجته بمرافقته ليعود الى البيت بأسرع وقت
ممكن.
وشهدت الزوجة بانها لاتجهل ملكية زوجها للمسدس ولكنها لاتعرف بالضبط متى
حصل عليه وشهدت ايضا ان زوجها اعتاد على الاحتفاظ بمسدسه في صندوق موجود في
الغرفة ولايحمله الا اذا كان مخمورا . وقد استفسرت الشرطة من مديرية شرطة
الموصل فيما اذا يوجد مسدس يحمل الرقم الموجود على المسدس المذكور في
سجلاتها .
فأجابت المديرية بان المسدس المذكور مسجل باسم احمد منير علي مفتش البرق
والبريد في الموصل ووجدت اجازته في اربيل وقد اهدى احمد منير علي البغدادي
مسدسه هذا الى الطيار المقدم موسى علي مقابل مسدس آخر قدمه اليه المقدم
موسى اليه . وقد تم هذا الاهداء بموافقة متصرفية لواء بغداد .
وفي اليوم التالي جرى تفتيش غرفة المتهم محمد مصطفى فعثرت الشرطة على
رسالتين الاولى مختومة وموجهة الى حكمت سليمان والثانية تخص يهوديا اسمه
كرجي يعمل مضمداً في الكيارة يرجو كاتبهما منه تهريب يهودي اخر الى خارج
العراق وقد فتحت الرسالة الموجهة الى حكمت سليمان وتلي نصها على الشهود وهم
الحاج عباس ابن الحاج سلمان وخالد حسن وعبد الرحمن محمود ثم توقيعهم على
محضر التحري ..
ونتيجة العثور على هذه الرسالة اعتبرت القضية ماسة بأمن الدولة فأحيلت
اوراقها الى المجلس التحقيقي العرفي برئاسة المقدم العقيد محمود سلمان
وعضوية الرئيس الاول الرائد منير الوكيل ومعاون مدير الشرطة من الدرجة
الاولى نقيب الشرطة عبد المجيد حسن.

وهذا نص
الرسالة:


بسم الله :
فخامة ولي النعم حكمة بك ايده الله .
بعد تقديم الاحترام وصلنا كتابكم المرسل صحبة الاخ جواد حسين وسررنا من
ترتيباتكم الناجحة ان شاء الله .
ونخبر حضراتكم بان ضباط الجيش وكثيراً من الاهالي مستعدون لتأييدكم في
الحركة المباركة عن اول اشارة تصدر منكم الينا واخبرنا الاخ جواد حسين عن
كيفية تردد الامير لما كلف من قبل الاخوان وتعهد فخامتكم بإقناعه وحسب
طلبكم فقد كلفنا جماعة من المعتمدين لقتل نوري السعيد وطه الهاشمي وباقي
الخونة اعوانهم وجهزناهم بالسلاح وهم سيراجعونكم بواسطة اذلي سيسلمكم هذا
الكتاب محمد اذلي اخبرنا الاخوان باعتمادهم عليه ونرجو مساعدتهم جميعا عند
الحاجة وان تزودوهم بكل اوامركم كما بينتموه بكتابكم وكذلك تزويدهم بالمال
والفسك كما بينتم .
ونعلمكم بان الاخ يونس سعى ليلاً ونهاراً في هذه القضية وبالاخص جمع كثير
من الاعوان لهذه الغاية واول عمل يقوم به عند ورود الاشارة هو قتل كل معارض
وترتيب تظاهرات الى الحركة المباركة.. نسلم على الاخ حلمي ونخبره باننا
اخذنا كتابه وسررنا به واننا نرجو اسراعه بإرسال الفشك التي وعدنا بها لان
الذي عندنا لايكفي عند الحاجة..
نسلم على الاخوين جواد وعلي غالب ونكرر رجاءنا للاهتمام بالفدائيين الذيين
سيراجعونكم ومراقبتهم اذا وجدتموهم غير متمكنين من انجاز القضية واخبارنا
لنرسل بعض اقاربنا للمساعدة كي نكون مطمئنين من النجاح وفي الختام نرجو
قبول فائق الاحترام مولانا .
المخلص
س...

واثناء محاكمته امام المجلس العرفي العسكري انكر محمد بن مصطفى اشتراكه
بالمؤامرة وعلمه بالمكتوب ومعرفته بحكمت سليمان وترصده لقتل نوري السعيد
وطه الهاشمي قائلاً: كل ما في الامر اني سكرت في تلك الليلة في ميخانة
بالميدان وذهبت الى بيتي في البارودية في نحو الساعة السادسة وبما ان جميل
عبد الله يسكن معي في نفس البيت رغبت بأن نخرج من البيت لنشم شوية هواء
والتنزه بالبرية فركبنا الباص ونزلنا من الباص بقصد التنزه. وذكر المتهم
محمد انه كان ثملا منذ خروجه من الدار أي انه لم يشرب في الميخانة في
الميدان وعندما خرجا من البيت طلب منه جميل الذهاب الى باب الشيخ لزيارة
احد الحجاج وخروج هذا التصرف عن التقاليد المألوفة في بغداد يومها وعندما
سألا عن الحاج المذكور لم يجداه فعادا الى الميدان وقد اشترى هنا المتهم
خسا وبرتقالا اما الشاهد فقد اقتصر على شراءه التمر وبعدها تتفق الافادتان.

ومع ذلك فقد طلب المدعي العام تبرئة المتهم من الجريمة واقتصر في طلبه على
ادانة المتهم بتهمة حمله السلاح بدون اجازة وقد اخذت المحكمة العسكرية بطلب
المدعي العام فحكمت عليه بالسجن لمدة ستة اشهر وفق المادة 12 من قانون
الاسلحة.


عن المدى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سفير الحب
مشرف
مشرف
سفير الحب


 تاريخ العراق  Jb12915568671
الثور
عدد المساهمات : 323
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالب

 تاريخ العراق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق     تاريخ العراق  Emptyالإثنين ديسمبر 27, 2010 9:35 am

ممالك سومرية

لارسا المدينة والدولة ( 2025 ـ 1763ق.م)



أ.د. جواد مطر الموسوي*




تشكل لارسا (LA-AR-SA) المدينة والدولة ، جزءاً حيوياً
متكاملاً من التاريخ السومري ومحركاً للأحداث السياسية المهمة في النصف
الأول من العصر البابلي القـديم ( 2004-1594ق.م) ، فكانت تابعة إلى الدولة
الاكديــة (نحو2340-2198ق.م) ثم أصبحت تحت سيطرة دولة أور الثالثة (
2113ـ2004 ) ، لكن الحال تغير بعد سيطرة (نابلانوم) احد الشيوخ الاموريين
على حكم لارسا مستغلاً الأوضاع السيئة في دولة أور الثالثة ، وتزايد هجرة
الاموريين إلى بلاد وادي الرافدين ، فاستقل في حكم لارسا .

ويعتقد بعض الباحثين أن اسم (لارسا) من الألفاظ القديمة أوجدها الفراتيون
الأوائل (Proto- Euphrateans) وجاء ذكره في عصر جمدة نصر (3000ـ2900 ق.م) ،
وفي العصر الاكدي ، وفـــي عهد ملك أور الثالثة أورنمو ( 2113 ـ2096ق.م) .

تعرف خرائب لارسا في الوقت الحاضر باسم تلول ( سنكرة ) المسجلة بدائرة
الآثار تحت رقم (3) وهي تبعد مسافة (70) كم إلى الشمال الغربي من مدينة
الناصرية في ناحية البطحاء ، في الشمال الشرقي من هور ابو غزيلات جنوب
ناحية النصر (قضاء الرفاعي) ، يبلغ محيط دائرتها الآثارية نحو (5)كم ، بكل
تأكيد ظهرت في ارض تكثر فيها المياه فهي قريبة من نهر الفرات واهوار سومر ،
كما جاء ذكر أسماء انهر أخرى منها :

1ـ كا ـ سنحار ـ را .

2ـ إد ـ نانا ـ شيتا .

اهتمت بعثات التنقيب في موقع تلول سنكرة (Senkera) كثيراً، منذ وقت مبكر،
فأول من نقب فيها هو الفرنسي ( دبليو. كي . لوفتس ) في سنة 1854م وقد كشف
عن مجموعة من الرقم الطينية الحسابية المهمة ، وزقورة معبد الإله ( شمش )
وبقايا المقبرة البابلية القديمة ، وفي سنة ( 1903م) ، قام (
فالتراندرية) بالتنقيب فيها ، ثم البعثة الأمريكية سنة ( 1925م) ،ثم(
اندرية باور) سنة( 1933م) .

واستمرت البعثة الفرنسية في أكثر من موسم ( 1966م ، 1967م، 1969م،1970م،
1974م،1976م، 1978م) وكان آخر موسمها العاشر سنة(1983م) الذي عثر فيه على
مجموعة من اللقى الأثرية المتنوعة نصوص كتابية وصيغ تاريخية لملوك لارسا .

حكم لارسا مجموعة من الحكام يحمل لقب ( شيخ الاموريون) وكان عددهم خمس حكام
أولهم نابلانوم ( 2025ـ2005 ق.م) مؤسس هذه السلالة ، الذي كان معاصراً إلى
ملك ايسن أشبي ـ آيرا ( 2017ـ1985ق.م) ، وقد جاء ذكره في الكتابات التي
ترجع إلى أور الثالثة ، وأطلق عليه انه من ( المارتو ) أي ( الاموريون ) .

جاء بعده أمنصوم ( 2005ـ1977ق.م)الذي حاول ان يثبت أركان السلالة والمحافظة
على استقلاليتها ، ولاسيما انه كان معاصراً لثلاثة ملوك من سلالة أشنونا
وهم : نور ـ اخوم وكيري ـ كيري وبيلا ـ لاما .

خلفه ساميوم ( 1977ـ 1942 ق.م) اي ( السميع ) وذكر في رقيم من مدينة ( جرسو
) ، ثم جاء بعده زايانيا ( 1942ـ1932 ق.م) والمشهور عنه انه قام بترميم
أسوار معبد( أي ـ ببار ) وعمارته ، وكان آخر حاكم يحمل لقب ( شيخ الاموريون
) لتبدأ حقبة جديدة من الحكام يلقبون بلقب ( ملك ) ، وأولهم كَونكَونوم (
1932ـ 1906ق.م) الذي قام بحملات عسكرية على مدن بلاد عيلام ( بأشمي ، انشان
،سوسة ) كما سيطر على مدينتي ( أورولكش ) وهاجم (أيسن) في عهد ملكها لبت
عشتار (1934-1924ق.م) ، ومن أعماله المهمة بناء سور كبير حول مدينة (
لارسا) وأطلق عليه اسم ( أوتو) .

وبعد اتساع سلطة مدينة (لارسا ) قرر( كونكونوم) أن يتلقب بألقاب جديدة
موازية للدول الكبيرة المعاصرة له حتى يمكنه من التعامل مع هذه الدول بصفته
مكافأ لهم ، لذلك هو أول من تلقب بلقب ( ملك) ، و لقب بـ ( الكاهن الكبير )
و( ملك سومر وأكد) ، وكل هذه الألقاب تنم عن أن هذا الملك كان يسيطر على
مناطق واسعة من بلاد سومر وعيلام وأكد ، ووصل إلى رأس الخليج العربي ،
ولاسيما انه عقد حلفاً مع ملك أشنونا القوي آزوزوم ( 1926-1925 ق.م) ،
استمر كَونكَونوم بصفته مقاتلاً ورجل حرب حتى قتل في معركة بالقرب من مدينة
( أور ) على يد الملك ( أور- ننورتا) ملك ( ايسن) .

جاء بعده الملك أبي _ سارة ( 1906ـ 1895ق.م) الذي في عهده تعرضت بلاد سومر
إلى هجوم آشوري واسع، إلا أنه كان محاولة فاشلة ، وفي عهد هذا الملك استمرت
المصادمات مع دولة أيسن ، ومن إنجازات هذا الملك تزيين معابد الآلهة ، وشق
القنوات المائية وربما كري القديم منها لغرض تنشيط الحياة الزراعية
في محاولة لغرض خلق اقتصاد دولة قوي ، يستطيع تمويل الحروب التي تقوم بها (
لارسا) ويساعدها على صد هجمات الأعداء عليها .

وفي نحو سنة( 1895ق.م) تولى المملكة ( سوموـايلو ) أي ( سمو الإله) الذي
استمر حكمه إلى سنة ( 1866ق.م) وقد عاصر البدايات الأولى لقيام سلالة بابل
الأولى في عهد ملكها سومو ـ آبوم ( 1894 ـ 1866 ق.م) ، وتشبّه هذا الملك
بجده ( كَونكَونوم ) فكان مقاتلاً ورجل حرب ، فقد هاجم مدينة ( كازالو )
أكثر من مرة وكيش ونفر .

اهتم سوموـايلو بالزراعة وقنوات المياه فقد انشأ قناة لتحويل المياه عن
مملكة ( ايسن ) ويدخل ذلك في استغلال كل الوسائل لغرض القضاء على دولة (
ايسن ) ومنافستها لدولة ( لارسا) ، لكن أهم ما قام به هذا الملك ، على رأي
اوتو ادزار (Dietz Otto Edzard) انه أول ملك من ملوك ( لارسا ) يؤله نفسه
وهو الوحيد المؤله حتى عهد الملك ريم - سين ، لكن ذلك لم يرفع من مكانته
بين شعبه ، فتجاسر ( نور ـ اداد ) فانقلب على الملك الشرعي ، وتولى الحكم (
1865ـ1850ق.م) ، واسم هذا الملك يعني ( ضوء الإله أدد) و (ادد) من الآلهة
الجزرية ، اهتم هذا الملك بمعابد ( أريدو ) ومنها معبد الإله ( أيا) ،
ومعبد الإله ( سين ) في أور ، ويشير( الأستاذ الدكتور سامي سعيد الأحمد )
الى إن هذا الملك أرسى دعائم العدالة في البلاد ، هذا يعني انه أهتم
بالقضاء والقوانين ، وربما أصدر قوانين جديدة لم تصل إلينا ، لكن أهم إنجاز
قام به هو استمراره في ترميم وتعمير مدينة ( لارسا) بعد تعرضها إلى فيضان
هائل أضر بالبنى الأساسية للمدينة ، واستمر على هذا المنوال حتى موته وتولى
ابنه الحكم سين ـ أيدينام ( 1849ـ 1843 ق.م) الذي استمر على ما قام به
أبوه من أعمال عمارية وأكمل ما لم يكتمل وأعار أهمية إلى المعابد وكري
الأنهر والقنوات ، وكان له اهتمام خاصة بنهر دجلة ، وهذا واضح في احد
النصوص :

لقد عهد لي

الإله ( أنو)

وكذلك ( انليل)

ان اكري

نهر دجلة

واعمره وأرممه

حاول هذا الملك أن يوسع من سلطانه فوصل إلى مدينة سبار ، ويبدو انه سيطر
على مدينة (رابيقوم) ، واستمر بأعماله العسكرية حتى موته وتولى الحكم من
بعده سن ايريبام (1843-1841ق.م) ثم أخوه سين ـ أيبيشام( 1840ـ 1836) الذي
استمر بالنشاط العسكري ، ولاسيما تعرض (لارسا) في عهده إلى هجوم ملك بابل
(سابيئم) ويبدو أن عم الملك تولى الحكم من بعده سنة واحدة وهو صلّي ـ اداد
(1835ق.م) وفي عهده تعرضت (لارسا) إلى هجومات متفرقة ومن اكبر الدول آنذاك
منها هجوم ملك سلالة بابل الأولى وعيلام وكازالو ، وفي عهده سقطت (لارسا)
على يد العيلاميين وكذلك على يد جيوش مدينة كازالو .

وبعد ذلك يأتي للحكم كودور ـ مابوك حاكماً للارسا لمدة ستة اشهر ( 1835
ق.م) وليس لدينا معلومات كافية عن أصله، واختلفت الآراء عن اصله فمنهم من
يعده عيلامياً وآخر يعده أمورياً ، المهم انه لقب بملك (لارسا وبلاد سومر
وأكد) واستطاع أن يدمر مدينة (كازالو) انتقاما لما تعرضت له (لارسا) عندما
هاجمتها جيوش (كازالو) سابقاً وكان ذلك بمساعدة ملك بابل (سابيئم) ،خلفه
بالحكم ابنه (ورد – سين) (1835-1823ق.م) الذي عرف عنه قيامه بعدد من
الأعمال العمرانية ، وسيطرته على مدينة (نفر) ، وأقام علاقة تجارية مع
(دلمون) خلفـــــه بالحكم أخوه (ريم – سين) (1823-1763ق.م) وقد حكم أطول
مدة خلال العصر البابلي القديم وفي عهده بلغت (لارسا) مكانة متميزة بين
الدول آنذاك ، لذلك نجد أن هذا الملك قد لقب بألقاب عديدة تدل على سعة
سلطانه وقوته بين الممالك القديمة ، وقام بأعمال عمرانية واقتصادية مهمة ،
وأصبحت (لارسا) أقوى من أي وقت لكن ظهور الملك البابلي القوي
حمورابي(1792-1750ق.م) وهجومه عليها بمساعدة (زمري – ليم) ملك ماري ، أدى
إلى سقوطها وانضمامها الى السيطرة البابلية ، وكان ذلك سنة (1763ق.م).

ازدهرت التجارة في عصر سلالة لارسا، ولاسيما في الخليج العربي ووردتنا في
رسائل هذا العصر اسماء لتجار مهمين ، ففي رسالة من شخص اسمه (ريم – سين ،
انيليل – كور – كالاني مرسلة الى رئيسه، تتناول معلومات عن اوضاع التجارة ،
وهناك وثيقة عن سفينة محملة ارسلت من قبل معبد ننكال في اور الى دلمون
وظلت السفينة سنتين هناك، وعادت بعدها الى اور في السنة الثامنة من حكم
سومو – ايلو ملك لارسا( أي في سنة 1886ق.م) ، وكانت حمولتها تحتوي على
الذهب والنحاس والعاج والأخشاب الثمينة والصخور لعمل التماثيل والأصص ،
وكانت تصنع من هذه المواد انواع الأدوات التي يعاد تصديرها .

وهناك مجموعة نصوص تعود الى حكم الملوك ابي – سارة وكونكونوم وسومو – ايلو
تشير الى بضائع وصلت الى معبد ننكال بصفتها عشوراً من تجارة دلمون ورجوعها
سالمة ، وهناك مجموعة نصوص تعود الى عصر الملك (ريم – سين) بعضها عبارة عن
عقود واخرى نصوص ادارية واكثرها رسائل تتعلق بأستيراد النحاس من دلمون .

كما نعرف عن علاقات تجارية بين لارسا واسيا الصغرى حيث تشير الوثائق إلى
ارسال بدلات جاهزة الى اشور في عصر سلالة لارسا ، تم تصديرها الى اسيا
الصغرى ونستنتج عن وجود خط مواصلات يربط لارسا وآشور ماراً بمدن : بابل
وسبار، وماكيسوم ، وخيثات . كذلك عن رواج تجارة العبيد ، واشتهر التاجر
بالمونمنحي بشكل خاص بهذه التجارة ، وكذلك التاجر اوبار – شمش، وكانا
يؤجران الأرقاء الى الصناع الذين كانوا يستخدمونهم بمثابة عمال عندهم .
ونجد في العقود التي تعود الى ريم – سين وحمورابي في بابل، ان اسعار العبيد
تتراوح مابين 10-20 شاقل، واحياناًَ اقل، كذلك عمل الارقاء في المقاطعات
الزراعية ، ففي مقاطعة عشتار ايلي في لارسا هناك اربعة عشر عبداً وست جواري
.

كانت (لارسا) المركز الرئيس لعبادة الأله (شمش) أله الحق والعدل وحاكم
السماء والأرض وحامي الفقراء والقاضي بين أتباعه ، وتكاد تكون عبادة الأله
(شمش) عامة عند العراقيين ، منذ عصر فجر السلالات ، وكان معبد (أي – بابار)
وهو المركز الأول لعبادة هذا الأله في مدينة (لاسا) ، وقد اهتم شيوخ ملوك
(لارسا) به ، وقام الملك البابلي (حمورابي) بتجديد بناء المعبد، ولاسيما
اسم (لارسا) جاء في مقدمة قانون (حمورابي) الشهير .

كذلك عبادة آلهة أخرى ، لكن اقل مكانة من ألآله الرئيس (شمش) منها ألآلهة
(أيا) الأله (أمورو) فضلاً عن الآلهة (نانا) والإله (نركال) والإله (سين)
الذي كان له معبد خاص به ، شيده الملك (ريم – سين) .

وقد اهتم كل شيوخ وملوك (لارسا) ببناء المعابد ، وقد أعدت الباحثة سهاد حسن
عبد الحسين ،ضمن رسالتها الموسومة بـ(المكانة السياسية لمدينة لارسا في
الحضارة العـراقية القديمة) التي كان لنا شرف رئاسة لجنه مناقشتها التي جرت
بـــتاريخ ( 9 / 1 / 2007) قائمة قيمة بأسماء المعابد في (لارسا)
فضلاً عن ذلك فقد تناولت أكثر من دراسة أكاديمية تاريخ (لارسا) منها :

أطروحة الدكتوراه في قسم الآثار – كلية الآداب - جامعة بغداد ، أعدها عماد
طارق العاني ، وهي بعنوان (المستجدات السكانية والسياسية والحضارية لعصر ما
بعد أورالثالثة) سنة 1997م .





* رئيس جامعة واسط
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سفير الحب
مشرف
مشرف
سفير الحب


 تاريخ العراق  Jb12915568671
الثور
عدد المساهمات : 323
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالب

 تاريخ العراق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق     تاريخ العراق  Emptyالإثنين ديسمبر 27, 2010 9:40 am

(11)كلمات عراقية سائدة إلى اليوم ذات أصل بابلي وآشوري


مهدي صندوقجي(*)



احتفظت لنا الذاكرة العراقية بالكثير من الكلمات والتعابيرالأكدية
(بلهجتيها البابلية والآشورية) التي ظلت سائدة اكثر من ألفي عام حتى سقوط
بابل في القرن السادس قبل الميلاد والتي اعتمدت على الكتابة المسمارية التي
ورثتها من شقيقتها السالفة السومرية، فيما يلي جزء بسيط منها، وهي غيض من
فيض كما يقال:

مسـگوف: السمك المسـگوف،
وهو ملك المائدة العراقية. ومسـگوف من الفعل الآرامي (س ق ف) أي خوزق
(سيَّخ) ومسكوف يعني مخوزق (مسيَّخ)، وذلك لأن من يشوي السمكة يقوم بشقها
من الظهر وينظفها ثم يخوزق (يسيَّخ) السمكة عرضيا بأسياخ (أوتاد) خشبية
ترفعها عن الأرض وهي تقابل النار.
يشجر: يشجر التنور، بمعنى يحمي التنور، و يشـگـر بالارامية من مشـگـور، وهو
شجر الطرفاء المعروف الذي يحمى به التنور او الآتون.

چـا: يستخدم اهل جنوب العراق هذه الكلمة بكثرة،
فيقولون: چـا شلون؟ بمعنى كيف اذن، چـا شفت شلون؟ بمعنى هل رأيت كيف، و چـا
ليش؟ بمعنى لماذا اذن، وتأتي كأداة ربط يصعب ترجمتها حرفيا مثل [چـا
شمدريني] و[چـا وينك] وهكذا. وهذه الكلمة مقتصرة على العراقيين فقط وأصلها
من [كا] أو [قا] الآرامية وهي بنفس المعنى، تحولت الكاف الى (چـ (ch مثلما
تحولت كلمة كلب الى چـلب، وكف الى چـف، وهكذا، ونجد ذكرا لهذه الكلمة في
هذه الأغنية المندائية/الآرامية الجميلة التي تنشد في الأعراس: «الهايه
ربيثه استارثي / إد إِدري لي نور اسقيلو / كـا هزيت ابـگـوّ / انات اشفر
مني آن؟» ومعنى الأغنية: يا سيدتي الجملية / التي تحمل المرآة من اجلي / هل
ترين فيها متنبئة / بأني اكثر جمالا (نقاوة) منها؟

طرئوزي: خيار القثاء، ترع أوزي [ترع عوز] قرية قرب حران
وتعني باب الزهرة. وكان صابئة حران يزرعون هذا النبات الحلو في اطرافها،
والذي ينتسب الى عائلة الخيار والبطيخ، لفوائده الطبية.
عزه: تقول النساء العراقيات عزا بمعنى المصيبة، والعزا [أزا] بالأرامية هي
النار المتقدة ـ الحريق، اوالكارثة التي تنجم عنه.

طرگـاعه: هيجان عظيم، واضطراب شديد. وهي مشتقة من الجذر
الثلاثي الآرامي [ط ر ق] بمعنى: يخفق، يخلط، يقلق (الهدوء والسكينة) فنقول
[طرگ البيض] أو[طرگ اللبن] بمعنى خفقه وحركه. و [طرگـا أو طرگـاءة] ـ
اصبحت بعدئذ طرگـاعة ـ هي بمعنى: تشويش، اضطراب، اقلاق ازعاج و فوضى.
سرسري: كلمة ارامية تعني ذو الاخلاق السيئة؛ أي سمسار. وهي بنفس المعنى
بالفارسية أيضاً.
تمريخ: من تمروخ الآرامية بمعنى الدعك او المساج. يقول العراقيون مرّخوله
رجله وفاخ من الوجع. أي دعكوا قدمه وارتاح من الألم.

يفوخ: وهي من الجذر الآرامي [فوخ] بمعنى ينفخ، يهب،
يطلق ريحا [يظرط] يرتاح. يقول العراقي: افوّخ الجمجمة بمعنى أريح الرأس.

يدگ حدادي: يقولها العراقي عندما يقع بورطة
لا يعرف لها منفذاً ومعناها بالآرامية: يضرب كفا بكف.

اسليمة: تعبير (اسليمه كرْفـَتـَـه) يطلقه العراقي على
من لا يطيقه. و(سليمه او سليموت) بالبابلية والآرامية تعني الموت او شبح
الموت، والفعل گـرف يعني جرف أي أخذ، وعبارة (اسليمة كرفته) عبارة تمني
بمعنى ليت الموت يأخذه.

بوري: يستخدم
العراقيون كلمة [بوري] للدلالة على الانبوب، وكلمة [بوري] هي كلمة عراقية
اكدية قديمة تعني قصبة البردي المجوفة وهو النبات المشهورالذي ينبت باهوار
العراق، ومنها جاءت كلمة [بارية] وجمعها [بواري] اي حصيرة القصب.

بلا بوش: قليل الحياء، الذي لا يستحي. بلا تعنى
بدون و (بوش) كلمة ارامية قديمة تعني الخفر أو الحياء، وبلا بوش تقال للشخص
القبيح أي (بلا حياء). أمّا البوشي فهو النقاب.
حريشي: صمم، سكون او موت، يقولون: يطبّه حريشي، أي ليصيبه (يضربه) الصمم،
الموت.
رگـه: سلحفاة؛ من الأكدية رقو.

صريفة:
من صريف السومرية / الأكدية بمعنى كوخ القصب.

يزي:
يكفى، تم،كمل. نقول: يزي عاد، أي يكفي الآن

صـگـله:
لعبة يمارسها الاطفال في العراق، هي كلمة ارامية تعني: تكويم الحصى.

كرَّز: قطـّع؛ يقال كرزت فلانة الحب اي قطعت
(قشور) البذور بأسنانها، ومنه جاءت كلمة (كرزات) العراقية أي مكسرات كما
يسميها بعض العرب. و البابلي كان يقول: كرز فلان فلانا اي اتهمه بالباطل.

حرمه: بعض الناس يشيرون الى المرأة بالـ
"حرمه"، وترد هذه االكلمة في اللغة الأكدية بصيغة [حرماتو] و [شمخاتو]
وتعني (بغي المعبد) او (كاهنة الحب)، والكلمتان في الأكادية تشيران الى
زمرتين من كاهنات معبد عشتار الموكلات بالبغاء المقدس.

دوش: على وزن (خوش)، يقول العراقيون عن اللحمة الدهينة:
لحمة دوش، ودشَـن هو السمين بالآرامية، ومنها اسم دشنة وهي المرأة السمينة
اوالدهينة.

جت: من [دت] الآرامية، وهو
عشب من انواع البرسيم ترعاه الماشية.

عود أو
عودين
: على وزن بعدين، ظرف زمان آرامي بمعنى عندئذ. ماطول: كلمة
آرامية تعني بسبب، مادام. وترد في السريانية بنفس المعنى ايضاً. نقول: ما
أطب بيتك ماطول بيه فلان. اي لا ادخل بيتك بسبب وجود فلان) بداخله.

إلّلح: يقول العراقيون: اخويه الـ [لح] وعمي الـ
[لح] بمعنى اخي شقيقي وعمي اخ أبي. وهي كلمة آرامية / عبرية تعني القريب
جداً.

بوجي: بعض العراقيين يسمون الكلب
الصغير (بوجي). و [البوگـي] في البابلية والآرامية كائنات روحانية أو
اشباح. ومنها جاءت كلمة (بعبع).

شاغ، وشاغت
روحه
: أي ذهبت روحه وغاب وعيه [من الألم أو غيره]. وهي من الفعل
الآرامي [ش غ ا] بمعنى: يضيع، يُفقد، يضيّع الهدف، ينتشي، يحيد عن، يخطأ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
admin
Admin
Admin
admin


 تاريخ العراق  Jb12915568671
العقرب
عدد المساهمات : 933
العمر : 36
الموقع : في قلبي
العمل/الترفيه : اعلامي

 تاريخ العراق  Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق     تاريخ العراق  Emptyالجمعة أبريل 08, 2011 10:54 am

شكرا على المجهود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تاريخ العراق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لمحات عن تاريخ يهود العراق..
» موسوعه تاريخ العراق بالصور
» صور شخصيات وأماكن من تاريخ العراق الحديث....
» تحت ضغط التظاهرات الشعبية الغاضبة .. مجلس النواب يصادق على موازنة 2011 الاضخم في تاريخ العراق
» تاريخ بيل غيتس مع مايكروسوفت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عراق الاصاله :: المنتديات العامة :: منتدى تاريخ العراق-
انتقل الى: